خلاف بايدن ونتنياهو سينهي الحرب بعد أسابيع معدودة!

جورج حايك
جورج حايك

لا يختلف إثنان على أن العلاقة بين الرئيس الأميركي جو بايدن ورئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو ليست على ما يُرام، ومن البديهي أن تكون لها انعكاسات كبيرة على الحرب الدائرة في قطاع غزة بين اسرائيل وحركة “حماس”.

لقد بات الوقت ضاغطاً على نتنياهو المُطالب دولياً وتحديداً بإنهاء الحرب بعد أسابيع قليلة نظراً إلى إزدياد نقمة الرأي العام الدولي على المجازر التي ترتكب بحق المدنيين في غزة، وحتماً هناك أسباب وحسابات عديدة للادارة الأميركية تدفعها إلى الضغط على اسرائيل لانهاء هذه الحرب، لذلك نشهد اليوم سباقاً قوياً بين اسرائيل و”حماس” لتحقيق إنجاز عسكري، فـ”حماس” تسعى إلى الصمود بضعة أسابيع، واسرائيل تسعى إلى القضاء على البنية العسكرية للحركة واستسلامها.

واللافت أن خلاف بايدن ونتنياهو وصل إلى الذروة عندما طلب الأول من الثاني تغيير حكومته المتشددة، محذراً من أن يفقد الدعم بسبب القصف العشوائي لغزة.

وتفيد المعطيات الواردة عبر قنوات ديبلوماسية أميركية بأن الخلاف سبق هذه المرحلة إلا أنه لم يعد ممكناً احتواؤه خلف الأبواب المغلقة، وصحيح أن الادارة الأميركية لم تقطع الخيط الرفيع مع اسرائيل عبر اعتراضها على مشروع وقف اطلاق النار في غزة في مجلس الأمن، لكن الخلاف لم يعد يقتصر على الجانب الانساني بل تخطاه إلى الرؤية السياسية ما بعد الحرب، فبايدن يؤمن بحلّ الدولتين فيما نتنياهو يرفضه بالمطلق.

ولم يعد سراً ما كشفه بايدن بأن اسرائيل بدأت تفقد الدعم الدولي، فالرئيس الأميركي سعى في بداية الحرب إلى حشد التأييد الدولي لاسرائيل، بدءاً من الاتحاد الأوروبي وصولاً إلى أكثرية دول العالم، إلا أنه بدأ يلوّح الآن بأن اسرائيل تكاد تفقده.

وتؤكد القنوات الديبلوماسية الأميركية أن نتنياهو يعترف بالخلاف مع بايدن حول “اليوم التالي لحماس” أي من سيشغل السلطة، ويُشدد على أن اسرائيل لن تسمح بتكرار خطأ أوسلو واتفاقيات السلام التي تم التوصل إليها في التسعينيات وأدت إلى إنشاء السلطة الفلسطينية كجزء من المفاوضات لإنشاء دولة فلسطينية محتملة تضم الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية. وهنا جوهر الخلاف، فالولايات المتحدة الأميركية وأوروبا والدول العربية تُراهن على صلاحية السلطة الفلسطينية كي تقود مرحلة ما بعد “حماس”.

من الواضح أن نتنياهو أصبح عبئاً على الادارة الأميركية الحالية التي تتمنى أن يخرج من الحُكم، لتبدأ العملية السياسية والمفاوضات الهادفة إلى حل الدولتين، وما بات مؤكداً أن الضغط يتزايد عليه لإنهاء الحرب في مدة أقصاها ثلاثة أسابيع. وترى القنوات الديبلوماسية أن الأميركيين أبلغوا نتنياهو بالأمر عبر مستشار الأمن القومي لبايدن، جيك سوليفان، والضغوط ستتزايد في الأيام المقبلة لحسم المعركة، أو إنهائها حيث ما وصلت.

في المقابل، لا شك في أن هذا الضغط الذي تمارسه الادارة الأميركية على اسرائيل ينعكس ميدانياً على مجريات المعارك، ويعطي دفعاً لمقاتلي “حماس” للصمود أكثر، علماً أن اسرائيل تكثّف هجماتها من البر والبحر والجو والمتحدثون العسكريون يعلنون يومياً عن إنجازات صغيرة: تدمير الأنفاق، والاستيلاء على أسلحة وذخائر، ومقتل بعض عناصر “حماس”. لكن أسئلة عدة تُطرح حول واقعية تصريحات المسؤولين الاسرائيليين بأن “حماس” تستسلم وعلى وشك الانهيار!

وتعتبر القنوات الديبلوماسية الأميركية أن ما سنشهده خلال الأسابيع المقبلة انتقادات عدة من إدارة بايدن لحكومة نتنياهو، كضرورة تجنّب قصف المدنيين، ومنع العنف من المستوطنين في الضفة الغربية، وإنهاء المعارك قريباً والأهم انتقادات لعدم التماسك الأساسي للاستراتيجية العسكرية الاسرائيلية بإعتبار أن مركز الثقل في هذا النوع من القتال، هو السكان المدنيون، وإذا دفعوا إلى أحضان “حماس”، فيكون الجيش الاسرائيلي قد استبدل النصر التكتيكي بهزيمة استراتيجية.

من جهتها، لا تبدو الرؤية العسكرية الأميركية منسجمة مع الأداء العسكري الاسرائيلي، وفق القنوات الديبلوماسية، فإسرائيل تخوض واحدة من أكثر الحروب ضراوة ووحشية في القرن الحادي والعشرين. إلا أن لا معنى استراتيجي لها، ومن شأن ذلك أن يدفع جيلاً جديداً من الفلسطينيين إلى التطرف. وترى القنوات الديبلوماسية أن نتنياهو لم يتخلَ عن فكرة “تقليص” عدد سكان غزة بالقتل المتعمّد وطرد السكان الباقين على قيد الحياة إلى البلدان المجاورة.

وتلفت القنوات الديبلوماسية إلى أن مواقف بايدن تتأثر حتماً بمعركة الانتخابات الرئاسية الأميركية، علماً أن سياسات اسرائيل في غزة تثير نقمة شعبية متصاعدة في الولايات المتحدة وخصوصاً بين الفئات السكانية الرئيسة التي تشكل التحالف الديموقراطي: الشباب والملونون والنساء. وإذا ظل هؤلاء الناخبون محبطين بعد سنة من الآن، فإن فرص بايدن في إعادة انتخابه ستكون قاتمة، كونه يُعرّض أمن الولايات المتحدة على المدى الطويل وكذلك سمعتها الدولية للخطر، إضافة إلى موافقة الكونغرس على البدء بإجراءات عزل الرئيس جو بايدن.

لكن هناك من يقلّل من شأن توتر العلاقات بين بايدن ونتنياهو على خلفية حرب غزة، ويعتبر أن الشراكة الاسرائيلية – الأميركية لا تزال قوية ومهمة نظراً إلى اهداف الولايات المتحدة في الشرق الأوسط، إلا أن بايدن يعلم بأن هناك نشطاء من داخل حزبه يريدون منه أن يستمر في التنديد بالقوة المفرطة لاسرائيل، لذلك يعمد إلى وضع مسافة بين حكومته وحكومة نتنياهو.

ولا تستبعد القنوات الديبلوماسية الأميركية أن يلجأ نتنياهو إلى رد فعل عكسيّ كلّما زاد الضغط عليه، فيستمر في الحرب لمدة أطول، متحدياً تحذيرات الادارة الأميركية ومطالبة الأوروبيين والعرب بوقف إطلاق النار، فيصعّد حربه على غزة لإجبار “حماس” على الاستسلام، ويقوم بتنفيذ تهديداته للبنان وخصوصاً “حزب الله” بغية تطبيق القرار 1701، وهو أعلن ذلك مراراً وتكراراً، ممهلاً المساعي الديبلوماسية فترة للتوصّل إلى حلّ مع “الحزب” فينسحب إلى الليطاني ويتسلّم الجيش اللبناني و”اليونيفيل” المنطقة العازلة، وإلا قد يستخدم الحرب من أجل تحقيق هذا الهدف.

من المؤكّد أن الآتي من الأيام سيحمل المزيد من رسائل أميركية ضاغطة على نتنياهو الذي يستمد استمراريته في السلطة من الحرب، وهو يعرف ذلك، لأنه عندما تنتهي سيكون عرضة للمحاسبة وربما انتهاء مسيرته السياسية، لذا سيعمل على تطويل أمد الحرب آملاً في أن يحقق نصراً يشفع به يوم الحساب!

شارك المقال