انتخاب قائد الجيش رئيساً ليس في أجندة “الحزب” بعد!

جورج حايك
جورج حايك

استبشر اللبنانيون خيراً بالتمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون سنة واحدة، ورأوا فيه بصيص أمل لإمكان انتخابه رئيساً انطلاقاً من الأصوات التي نالها اقتراح القانون المعجّل المُكرّر الرّامي إلى التمديد لرتبة عماد أو لواء الذي تمّ اقراره في مجلس النواب ونال بموجبه 64 صوتاً بعد انسحاب نواب “حزب الله” من الجلسة.

كثر من المراقبين يعتبرون أن التمديد للعماد عون جرى بـ”قبّة باط” من “الحزب” الذي لا يرى في هذه العملية سوى إجراء تقني وخصوصاً أن لا اعتراض عميقاً له على أداء عون في الجيش، بل كان متعاوناً في المواضيع التي تتعلق بالمقاومة وخصوصاً خلال المواجهات التي تجري منذ 7 تشرين الأول الفائت مع اسرائيل على الحدود اللبنانية -الاسرائيلية. وبالتالي “الحزب” ليس مضطراً الى خوض معركة سياسية توتّر الأوضاع داخلياً في ظل وضع عسكري تصعيدي جنوباً، علماً أن التمديد لقائد الجيش بدا مطلباً مسيحياً مارونياً في شبه إجماع، وهذا ما أحرج “الحزب” نسبياً، إضافة إلى وضعية سنية متكاملة وتأييد درزي يمثله الحزب “التقدمي الاشتراكي” ورأي عام لبناني ومعطى دولي داعم أيضاً. صحيح أن “الحزب” قوي لكن لم يستطع أن يأتي برئيس جمهورية كما يشاء ولم يستطع أن يعطّل التمديد لأن هناك من يقف في وجهه.

وربما انسحاب نواب “الحزب” من الجلسة عند التصويت كان مراعاة لرئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في خطوة وُصفت من شخصيات نيابية بأنها لزوم ما لا يلزم، لأن النصاب تأمّن من دون نواب “الحزب”، فمر التمديد بأقل ضرر ممكن لعلاقته بحليفه المسيحي. وتبيّن أن المعركة كانت مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى باسيل وحده نظراً إلى حسابات شخصية ورئاسية.

لكن ثمة من يتساءل لماذا لا يتكرر سيناريو التمديد لقائد الجيش في الانتخابات الرئاسية ما دام يشكّل نقطة التقاء بين كتل نيابية متناقضة، وخصوصاً أنه يلقى تأييداً شعبياً عابراً للطوائف ودعماً دولياً واضحاً من اللجنة الخماسية التي تضم الولايات المتحدة الأميركية، السعودية، فرنسا، قطر ومصر؟ للوهلة الأولى يبدو هذا السؤال منطقياً لكن شخصية نيابية بارزة مقربة من “الحزب” ترى أن حسابات التمديد لقائد الجيش لا تتطابق مع الحسابات الرئاسية في أجندة “الحزب”، فالعماد عون في موقع قيادة الجيش هو غير العماد عون رئيس الجمهورية، لأنه في الجيش يلتزم بالقرار السياسي للحكومة اللبنانية التي يتمثّل فيها “الحزب” ويُعتبر من المقررين لسياستها، فيما إذا كان رئيساً للجمهورية فسيكون في قيادة القرار السياسي و”الحزب” لا يمكنه أن يُجازف مع شخصية لم تُختبر في السياسة، وقد تفاجئه بمواقف وأفعال لا تنسجم مع خط المقاومة.

من المؤكد أن العماد عون لا يزال مرشحاً قوياً لرئاسة الجمهورية بل ربما المرشّح الأقوى، إلا أن الشخصية النيابية تلفت إلى أن مرشّح “الحزب” لا يزال رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية الذي حاول أن يستوعب التمديد للعماد عون بعشاء معه أول من أمس، إذ سيبقى مرشحاً منافساً له طوال وجوده في الجيش، مع ذلك لن يكون لإسمه تأثير جدي في المعركة الرئاسية إلا بتسوية ترضي جميع القوى، وإما بتسوية جزئية.

من جهة أخرى، تتحدث أوساط المعارضة عن اقتناعها بأن ليونة “الحزب” حيال التمديد لعون ليس بالضرورة مؤشراً على دعمه خيار قائد الجيش لرئاسة الجمهورية، لا بل إن المعلومات في هذا السياق تشير إلى أن “الحزب” سيتمسك أكثر بخيار ايصال فرنجية الى الرئاسة، على أن يكون ذلك “الثمن الأساسي” الذي يريده “الحزب” بعد انتهاء الحرب. وتشير أوساط المعارضة إلى “أن هذا المنطق لن نرضى به، وسنواجهه كما واجهناه في مرحلة ما قبل الحرب، ولا شيء يوحي بأن اللجنة الخماسية الدولية ستقايض الحزب وتقبل بفرنجية رئيساً. انها مجرد أوهام يعيشها الممانعون ولن تتحوّل واقعاً، فلبنان لا يمكنه النهوض مجدداً مع رئيس موال لمحور الممانعة، بل رئيس مؤمن بالدولة والحياد والانفتاح على المجتمعين الدولي والعربي بعيداً من حسابات ايران ومصالحها الاقليمية”.

فعلياً، لا يبدو واضحاً موقف “الحزب” حيال العماد عون رئيساً، بل لا يمكن الجزم بمقدار اطمئنانه إلى قائد الجيش نظراً إلى أنه لا يطلق مواقف سياسية بل يركّز اهتمامه على صون المؤسسة العسكرية وضمان استمراريتها واستمرارية ضباطها وجنودها. وتؤكد الشخصية النيابية المقرّبة من “الحزب” أن عون خلال الأعوام الستة التي تسلّم فيها قيادة الجيش لم تحصل مواجهة مباشرة بين الجيش و”الحزب” لا في الجنوب ولا في البقاع، بل كان يحصل تنسيق وتعاون انطلاقاً مما تنصّ عليه البيانات الوزارية حول دور المقاومة. وهذا ما يفسّر إعادة الشاحنة التي أطلقت صواريخ من خراج بلدة شويا على مزارع شبعا إلى “الحزب” وعدم توقيف من كانوا على متنها، وهذا ما يفسّر عدم حصول صدام في منطقة عمليات القرار 1701 على الرغم من الملاحظات العديدة حول أداء “الحزب” وعدم احترامه الكامل لتطبيق القرار الدولي وتحريضه الأهالي على “اليونيفيل” إن خرجت دورياتها عن المسار العام، إضافة إلى احتفاظه بترسانته العسكرية غير الظاهرة في الجنوب على الرغم من انتشار الجيش والقوات الدولية.

أما أبرز المآخذ من “الحزب” على قيادة الجيش، وفق الشخصية النيابية الموالية لـ”الحزب” فتتمثل في 3 قضايا: الأولى عدم استجابة الجيش لطلب العهد السابق ومن ورائه “الحزب” قمع التحركات الاحتجاجية بعد 17 تشرين الأول وعدم التلبية الفورية للنداءات بفتح الطرق الرئيسة، والثانية تصدّي الجيش لتظاهرة الثنائي الشيعي على أبواب الطيونة وعين الرمانة ما أسفر عن وقوع 7 قتلى وعدد من الجرحى، والثالثة هي التعاون الأميركي مع قيادة الجيش والتي حملت حسن نصر الله في خطابين على الأقل على انتقاد الخبراء الأميركيين الذين يسرحون في اليرزة برفقة السفيرة الأميركية.

وما يُمكن فهمه من مقاربة “الحزب” الرئاسية أن انتخاب قائد الجيش رئيساً لا يدخل في أجندة “الحزب” بعد، وكلام نصر الله في هذا الأمر كان واضحاً حول رئيس لا يطعن المقاومة أي أنه يريد رئيساً لا يوفّر الغطاء للجيش لضرب “الحزب”، بل يريد رئيساً يمون عليه كالرئيس ميشال عون أو الرئيس إميل لحود ولا يريد رئيساً يتجرّأ عليه كما فعل الرئيس ميشال سليمان ويدفعه إلى الموافقة على إعلان مثل “إعلان بعبدا” يلزمه بالنأي بالنفس عن صراعات المنطقة، أو يستدرجه الى الموافقة على استراتيجية دفاعية تضع سلاحه وقرار الحرب والسلم بإمرة الدولة اللبنانية وجيشها اللبناني.

وترى الشخصية النيابية “أن الرئيس نبيه بري أكّد سابقاً أن انتخاب قائد الجيش يتطلّب تعديلاً دستورياً حصوله في الوقت الحاضر متعذّر، إضافة إلى عقبة تعديل الدستور في ظلّ حكومة مستقيلة”، لكن متى حصل اتفاق على انتخاب العماد عون رئيساً بين المكوّنات السياسية الأساسية، لن يُستعصى على بري إيجاد “تخريجة دستورية” لتمرير الاستحقاق، إلا أن هذا الموضوع ليس لدى بري إنما لدى “الحزب” حتماً.

شارك المقال