خطر الحوثيين يتزايد… ما سرّ سياسة النفس الطويل مع استفزازاتهم؟

جورج حايك
جورج حايك

يوماً بعد يوم يزداد خطر الحوثيين على الملاحة البحرية في جنوب البحر الأحمر وباب المندب، مستهدفاً السفن التجارية الاسرائيلية والأميركية والغربية عموماً، وقد بدأت هذه العمليات بعد بدء الحرب بين إسرائيل و”حماس”، فوضعت الجماعة الحوثية معادلة واضحة: “منع السفن الاسرائيلية من الابحار في البحر الأحمر حتى يتوقف العدوان الاسرائيلي على الفلسطينيين الصامدين في قطاع غزة”.

لكن المستغرب في الموضوع هو سياسة ضبط النفس الأميركية والغربية مع استفزازات الحوثيين، على الرغم من فداحة الأضرار التي يتسببون بها في الملاحة البحرية الدولية التي تنعكس على حركة التجارة العالمية. واللافت أن الأميركيين لا يقصّرون في الرد على الميليشيات المدعومة من ايران في العراق وسوريا عندما تستهدف قواعدهم في كلا البلدين.

لا ينكر ديبلوماسي لبناني مقيم في واشنطن أن التردد الأميركي في ما يخص مواجهة الحوثيين يعكس الحساسيات السياسية، وينبع إلى حد كبير من حرص إدارة الرئيس جو بايدن على تجنّب نسف الهدنة الهشة في اليمن وإثارة صراع أوسع في المنطقة. فالبيت الأبيض يريد أن يحافظ على الهدنة ويخشى اتخاذ إجراء قد يفتح جبهة حرب أخرى. إلا أن الديبلوماسي المطلع على خطط الادارة الأميركية بالنسبة إلى اليمن، يؤكد أن العمل العسكري هو خيار، ولم يُحذف من على الطاولة، على الرغم من أن المسؤولين الأميركيين يعتبرون سراً وعلناً أن هناك فرقاً بين تفجيرات العراق وسوريا وهجمات الحوثيين.

ولا شك في أن واشنطن تكتفي حتى اليوم بفرض عقوبات على شبكة إقراض الأموال للمتمردين الحوثيين ومنها عقوبات مالية ضد 13 شخصاً وشركة يقدمون عشرات الملايين من الدولارات من بيع السلع الايرانية وشحنها إلى الحوثيين. مع ذلك، يواصل الحوثيون استهداف السفن بالصواريخ والطائرات المسيّرة بهدف منع وصول إمدادات إلى إسرائيل خلال حربها الجارية على قطاع غزة، ما يزيد القلق من زيادة أسعار السلع في الأسواق العالمية، والتي لم تتعافَ بعد من تبعات أزمتي حرب أوكرانيا وكورونا.

ويرى خبير اقتصادي أن البحر الأحمر يمثل حلقة الوصل البحرية الأسرع والأقصر بين آسيا وأوروبا، وشرياناً حيوياً يمر من خلاله نحو 10 في المئة من إمدادات النفط المنقولة بحراً على مستوى العالم، ما يساوي 6 – 7 ملايين برميل نفط يومي، و12 في المئة من التجارة العالمية، وفقاً لادارة معلومات الطاقة الأميركية، وهو ما سيؤثر على سلاسل التوريد ويرفع أسعار السلع ويزيد التضخم. ويعتبر أن الهجمات والتهديدات الحوثية تتسبب في ارتفاع تكلفة التأمين على السفن التي ستحاول السير في طرق بديلة أكثر أمناً، لكن أكثر تكلفة في الوقت نفسه، مثل طريق رأس الرجاء الصالح (حول إفريقيا)، وهو طويل جداً، ويزيد مبالغ التأمين والشحن. إضافة إلى أن بعض شركات التأمين رفع الأسعار فعلاً الأسبوع الماضي بنسبة تصل إلى 200 في المئة، نظراً الى زيادة المخاطر. وبالنسبة إلى اسرائيل، يمر عبر البحر الأحمر أكثر من 50 في المئة من تجارتها الخارجية.

أمام هذا الواقع التصعيدي الذي فرضه الحوثيون ويبدو أنه تجاوز الخطوط الحمر، يلفت الديبلوماسي اللبناني في واشنطن الى أن تصرفات الحوثيين لم تدفع الولايات المتحدة الأميركية ومنظمة الأمن البحري الدولي إلا الى إصدار تحذير للسفن التي تعبر البحر الأحمر وباب المندب من أن تختار مسارات بعيدة عن المياه اليمنية قدر الامكان، وتسافر ليلاً ولا تتوقف، لأن ذلك يجعلها هدفاً أسهل.

لكن الديبلوماسي يؤكد أن الوضع لن يبقى على ما هو عليه، وهناك إتجاه أميركي الى إطلاق قوة بحرية موسّعة تضم دولاً غربية وعربية لمكافحة هجمات الحوثيين على سفن البحر الأحمر، وهذه القوة سيُعلن عنها وزير الدفاع الأميركي خلال زيارته الى الشرق الأوسط قريباً. ولم تفلح الولايات المتحدة حتى الآن في إقناع الصين بالانضمام إلى قوة الحماية البحرية الموسّعة.

من البديهي أن الحوثيين لا يخططون من تلقاء أنفسهم، إنما يرتبطون بمرجعيتهم الايرانية بل هم يشكّلون ذراعاً عسكرية لها مثل “حزب الله” والحشد العراقي والفاطميين و”حماس” وغيرهم، وبالتالي ليست إيران بعيدة عما يحصل في البحر الأحمر، وكالعادة تستخدم هذه الميليشيات لتبعث رسائل سياسية إلى الولايات المتحدة، إلا أن مقاربة المسؤولين الأميركيين لا تجد مصلحة كبيرة لايران في ما يفعله الحوثيون لأنها ليست مهتمة بتصعيد إقليمي من شأنه أن يُعرّض حلفاءها أو نظامها للخطر. ويشير الديبلوماسي إلى أن انخراط الحوثيين في عمليات أكثر جرأة في ظل الوجود القوي للبحرية الأميركية في البحر الأحمر، يُعزّز من احتمالات حدوث سوء تقدير من الحوثيين، فيرتكبون خطأ قاتلاً، يستدعي تحركاً عسكرياً أميركياً مع الحلفاء ضدهم على نحو حاسم وقوي.

يمكن القول إن واشنطن تجاهلت تطوراً مقلقاً في شؤون الأمن الاقليمي في الشرق الأوسط، وتحديداً ظهور ممثل عسكري قوي لايران من خلال حركة الحوثيين الذين يعتبرون قوة فاعلة، بل لاعبون منعزلون وعدوانيون ومسلّحون جيداً ومعادون للولايات المتحدة ويتموضعون في الخليج العربي على نحو استراتيجي.

ويوافق الديبلوماسي اللبناني على أن حرب غزة كشفت ثغرات أميركية حول كيفية التعامل مع الحوثيين وردعهم، وهو وضع لا يمكن أن يستمر بالنسبة الى قوة عظمى تفتخر بكونها ضامنة الممرات البحرية الدولية. وبعد 7 تشرين الأول الفائت، لم تتمكن إسرائيل ولا الولايات المتحدة من ردع الحوثيين عسكرياً عن أعمال مزعزعة للاستقرار، علماً أن ضرب أهدافهم ليس صعباً: قادة الحوثيين، مواقع تخزين الطائرات من دون طيار والصواريخ، المروحيات والطائرات ذات الأجنحة الثابتة، متخصصون ومستشارون من إيران و”حزب الله”، أنظمة الوقود السائل وتخزينه، والقدرات المضادة للسفن التي بنوها، بما في ذلك “السفن الأم” و”مراكب التجسس الشراعية”. والمفارقة أن الولايات المتحدة واسرائيل قادرتان على العمل السري لاستهداف هذه القواعد بفاعلية.

شارك المقال