بين الربح والخسارة… الجيش المنتصر الأوحد

زياد سامي عيتاني

أما وقد هدأت عاصفة التمديد لقائد الجيش، واستقرت الأجواء السياسية، وتقشعت الغيوم، واتضحت الرؤية، بدأ الحديث عن الرابحين والخاسرين بين القوى السياسية المتصارعة، بعدما أقر مجلس النواب قانون التمديد بإنسيابية رئيسه نبيه بري، وكأن موضوعاً بهذه الأهمية في هذا الظرف الخطير يخضع لميزان تقويم الحسابات الضيقة. لو كان هناك حد أدنى من الحس الوطني لدى الطغمة السياسية، لجيّرت هذا “الربح” إذا صح التعبير للجيش اللبناني، الذي يتحمل مسؤولية الأمن والاستقرار، في ظل غياب كل مؤسسات الدولة المتصدعة والمتحللة وخطفها، لكن تلك الطغمة، وككل حدث أو تطور داخلي، تنقسم حياله، وتتعاطى معه وفقاً لمصالحها.

لذلك، ما ان أقر قانون التمديد، حتى بدأت القوى السياسية المتصارعة توزع الربح والخسارة في ما بينها، على قاعدة الربح والخسارة، اما لتسجيل إنتصارات وهمية، واما لإلحاق الهزائم المفتعلة بخصومها. فالفريق الذي كان مؤيداً للتمديد، من بينه المعارضة، التي تعتبر أنها سجلت هدفين لصالحها، الأول في مرمى جبران باسيل، الذي خاض معركة شرسة ضد العماد جوزيف عون، والثاني في مرمى ترشيح النائب السابق سليمان فرنجية، لأن مجرد بقاء عون عاماً إضافياً، يعني أنه باقٍ كمرشح رئيس، ويشكل تحدياً لجميع الترشيحات الأخرى.

في المقابل، فإن من كان يراهن على عدم إقرار المجلس النيابي قانون التمديد، بعدما هرب نصاب جلسة مجلس الوزراء، لا يقر بهزيمته، بل يذهب بعيداً في إتهام حلفاء له “بالخيانة” والتواطؤ مع أخصامه، فضلاً عن إتهام كتل ونواب بالخضوع لضغوط خارجية “معادية” تعتبر العماد جوزيف عون المنفذ الأول لأجنداتها! وبين هذا الرأي وذاك، فإن ثمة من يعتبر “الثنائي الشيعي” هو المنتصر، لأنه أثبت إمساكه بالقرار وتحكمه بالتشريع، إذ انه لو إختار العرقلة المباشرة والواضحة، لما جرى التمديد لعون.

بعيداً عن هذا السجال، لا شك في أن الرابح الأول هو الجيش اللبناني وقائده، ليس لأنه يشكل عامل الاستقرار الأمني في البلاد، في ظل الفوضى السياسية العارمة وحسب، بل لأنه بات يشكل فعلياً ورمزياً الركيزة الوحيدة من الركائز التي تقوم عليها الدول. وهنا يجب عدم التغاضي أو القفز فوق حقيقة أن العماد عون تمكن طيلة توليه قيادة الجيش من أن يحافظ على دوره الوطني في فرض الأمن والاستقرار، وإبعاده عن أتون الخلافات السياسية الحادة، ما مكنه من فرض “شخصيته القيادية”، التي حظيت بدعم واسع داخلياً وخارجياً. فالجيش اللبناني الذي يضم نحو 80 ألف عنصر، يلعب الدور الأبرز إلى جانب الأجهزة الامنية في حفظ الأمن داخلياً من خلال وجوده الفاعل على إمتداد خريطة الوطن، كما أنه يشكل عامل تهدئة في الجنوب اللبناني من خلال إنتشاره، وفقاً للقرار 1701 وتنسيقه الدائم مع قوات “اليونيفيل”. لذا، فإن بقاء العماد عون في منصبه، قد ينعكس إيجاباً على واقع الجيش عند الحدود، لأنه يحظى بثقة المجتمع الدولي، وكذلك بثقة “حزب الله”، اذ يتسم بالقدرة على اللعب ضمن حدود المعادلة اللبنانية.

لكن الجيش يشكو تداعيات الانهيار الاقتصادي الذي يعيشه لبنان منذ خريف 2019، وأدى إلى تآكل أكثر من 90% من قيمة رواتب عناصره، ما كاد يهدد جدياً بإنفراطه وعدم إلتحاق عناصره بأماكن خدمتهم لتعذر ذلك مالياً، الأمر الذي دفع قائده الى اجراء إتصالات مع دول عدة للحصول على الدعم والمساعدات النقدية والعينية، حفاظاً على تماسكه وتمكينه من أداء دوره الوطني في مرحلة تعد الأخطر في تاريخ لبنان. وبالفعل تمكن القائد بما يتمتع به من ثقة ومصداقية لدى الدول العربية والغربية من الحصول على الدعم، الذي حصّن المؤسسة العسكرية، ومكنها من إستمرارية المحافظة على الاستقرار الداخلي.

ويسجل للعماد عون نجاحه في هذه المهمة، في وقت كانت فيه كل الدول، لا سيما العربية قد أوقفت كل أشكال الدعم للبنان، جراء المواقف العدائية التي صدرت في عهد الرئيس ميشال عون. وهذه الثقة من المجتمع الغربي التي يحظى بها عون، ما كانت لتتحقق لولا قيادته الحكيمة والموضوعية للجيش، وعدم إقحامه في الصراعات السياسية، من دون أن يتخلى عن دوره في حفظ الأمن والاستقرار. وربما أداؤه المتقن في منصبه جعله مرشحاً جدياً لرئاسة الجمهورية، من دون أن يعلن نيته، ومن دون أن يستقيل من منصبه خلال الفترة التي حددها الدستور لتمكينه من الترشح، ما يعني أن ترشيحه كان مطلباً محلياً وخارجياً، وليس رغبة شخصية لديه.

شارك المقال