درب السراي المحفوف بالمخاطر

سوسن مهنا
سوسن مهنا

بداية الأجواء تقول إنه لو لم يكن نجيب ميقاتي على ثقة يأن مهمته ستنجح لما قبِل بها. ولكن من أين أتت هذه الثقة؟ يقول “لو لم تكن لدي الضمانات الخارجية اللازمة… لما تحملت هذه المسؤولية”. هذا خارجياً، ولكن داخلياً هل ستكون طريقه مفروشة بالورود؟

ينطلق الرئيس المكلف تأليف الحكومة العتيدة نجيب ميقاتي بزخم، استناداً إلى ثابتتين، دعم نادي رؤساء الحكومات السابقين بالتالي الرئيس سعد الحريري، وتسمية “حزب الله” له والتي عدّت “تسهيلية”، لأنها من المرات النادرة التي يسمي فيها “الحزب” رئيساً للحكومة.

يقول ميقاتي عقب إعلان تكليفه، إن مهمة حكومته الأساسية هي تنفيذ المبادرة الفرنسية، و”بالتعاون مع الرئيس عون نستطيع تشكيل الحكومة التي من مهامها الأولية تنفيذ المبادرة الفرنسية والتي هي لمصلحة لبنان ولمصلحة الاقتصاد اللبناني”. أيضاً أن “الدول الغربية مستعدة لدعم لبنان ومساندته، فور تأليف حكومة جديدة”. لكن أسئلة كثيرة طرحت، أهمها ما الذي تغير حتى تجري عملية التكليف بعد اعتذار سعد الحريري بهذه السلاسة والأجواء التفاؤلية؟ هل تغيرت المعطيات الخارجية وبالتالي الداخلية؟، وهل ما لم يُعطَ للحريري سيعطى لميقاتي؟.

في موقف رئيس الجمهورية

الإجابة عن هذه الأسئلة أتت من أصحاب القرار أنفسهم. يقول الحريري فور اعلان اعتذاره، إنه سأل رئيس الجمهورية ميشال عون عن منح الثقة للحكومة من قبل التيار الوطني الحر، فما كان من الأخير إلى أن “ردد لي الجواب نفسه، لا ثقة من الكتلة كاملاً بل من وزيرين أو ثلاثة”. ويتابع الحريري “أنا لا أستطيع أن أقدم تشكيلة للحكومة ورئيس الجمهورية لا يريد إعطاء الثقة بل يريد الثلث المعطل، وكلكم تعرفون أن هذه ليست طريقة لتشكيل الحكومة”.

في السياق، يقول ميقاتي إنه سيشكل “حكومة من اختصاصيين”، لكن الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله رأياً آخر، إذ يقول في آذار الماضي: “حكومة تكنوقراط لا تدعمها جماعات سياسية لن تنقذ البلد”. وفي المعلومات التي رشحت عن “العشاء” بين رئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل وميقاتي، طالب باسيل مجدداً بوزارة الداخلية “عقدة العقد”، وصارح ميقاتي أنه لن يسميه. فإذا كان لا يوافق على تسميته لمَ العشاء الودي إذاً؟ ومن ثم وعقب الاستشارات مع الكتل في مجلس النواب، صرح باسيل أنه “أبلغ ميقاتي عدم المشاركة في الحكومة وهذا يعني عدم تدخلنا في التأليف”.

تسمية “حزب الله” لميقاتي

وناقش الإعلام كثيراً تسمية “حزب الله” لميقاتي، وأن ذلك أتى من باب إحراج التيار العوني ووضعه أمام مسؤولياته. لكن الحقيقة أن موقف “الحزب” جاء بعد أن كان له دور أساسي في دفع الحريري للاعتذار، عبر موقفين واضحين وجّها للحريري، وبعد أن كان باسيل قد “استعان بصديق” (السيد نصر الله)، جاء الجواب على لسان الأخير في 5 تموز الحالي: “من المفترض أن تكون هذه الأيام حاسمة لتشكيل الحكومة، حيث يمكن للقاءات التي ستعقد أن ترسم المسار الحكومي بشكل واضح”. وموقف رئيس “كتلة الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد،  في 12 الجاري: “حاول الحريري أن يتعايش مع أكثرية مناهضة لمشروعه، لكن غلبه أسياده فيما بعد (…) ولم يعد هناك فرصة لتشكيل حكومة تنهض بالوضع الاقتصادي”. هذان الموقفان كانا بمثابة “رصاصة الرحمة” على مشروع تكليف الحريري الذي امتد قرابة تسعة أشهر.

أيضاً من الأهداف التي يسعى إليها الحزب “تبرئة” نفسه من اتهام لاحقه بأنه مستفيد من التعطيل ولا يريد تشكيل حكومة، بانتظار نتائج المفاوضات بين إيران والولايات المتحدة، وتسويات وملفات إقليمية. وبتسميته ميقاتي يكون قد أعطاه “سلفة” سيطلب مقابلها، إذا نجحت مهمته بالتأليف. أيضاً ومن خلال التسمية حاول “الحزب” أن يبرهن أنه مع الإجماع السني على تسمية ميقاتي، وحوّل المشهد في البلد مجدداً إلى أن الخلاف هو ماروني سني وليس شيعياً سنياً. وهكذا يكون من الواضح أن تمايزه عن التيار الوطني، لا يقع ضمن التنوع، كما روج إعلامه بل مناورة وتوزيع للأدوار، بل ذهب أكثر من ذلك بإعطائه هامشاً “مطاطاً” لفريق رئيس الجمهورية للتحرك. وهذا بالضبط يعبر عن رغبة لدى باسيل بالقول للمجتمع الدولي، بأنه يعارض الموقف السياسي الحالي بعكس كل الأفرقاء في البلد، ومكاسب انتخابية قد يستغلها ويحققها لاحقاً. وبهذا يكون “الحزب” مرة جديدة “أعان” الصديق وقدم له “خدمات” وفيرة.

تسمية الحزب لميقاتي سيف ذو حدين

يواجه نجيب ميقاتي مهمة صعبة وهذا باعترافه “لا أملك عصا سحرية”. وإذا أراد أن يتماشى مع روحية المبادرة الفرنسية في التوصل إلى تأليف حكومة يدعمها المجتمع الدولي، فيجب أن تكون “حكومة مهمة” إنقاذية من اختصاصيين غير سياسيين. وكي تستطيع مثل تلك الحكومة النجاح يجب أن تتمتع بصلاحيات تشريعية استثنائية. وماذا عن عقدة الثلث المعطل” العقبة الرئيسية التي واجهت الحريري هل تحلحلت؟. “إضافة إلى أن تسمية “الحزب” قد لا تخدم ميقاتي كثيراً، وأي تنازل غير محسوب قد يضعه بخانة “حكومة حزب الله”. ذلك أن بعض الدول لا زالت على موقفها من الوضع اللبناني، كالمملكة العربية السعودية التي لم يصدر عنها أي موقف حتى الآن من تسمية ميقاتي. وموقف السعودية ما زال هو نفسه كما قال وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان، في حديث لشبكة الـ CNN في نيسان الماضي: “لم يعد الوضع القائم في لبنان قابلاً للتطبيق، ولا تشعر المملكة بأنه من المناسب الاستمرار في دعم الوضع الحالي الذي قدم لاعباً غير حكومي، أي حزب الله، يتمتع بحكم الأمر الواقع وحق الفيتو على كل ما يجري في البلد ويسيطر على بنيته التحتية الرئيسة… فيما لا تفعل الطبقة السياسية سوى القليل للتعامل مع التحديات التي يواجهها الشعب اللبناني، سواء كان فساداً أو سوء الإدارة أو مشاكل أخرى”.

إقرأ أيضاً: وباء الشعبوية

وقد سافر السفير السعودي وليد البخاري أمس فجأة إلى بلاده للتشاور وسيتوضح موقف المملكة من التطورات اللبنانية لدى عودته إلى بيروت.

وحسب مصادر دولية فإن على ميقاتي كي يضمن نجاح مهمته “تقديم تنازلات”، ولكن ما هي طبيعة التنازلات التي يستطيع ميقاتي تقديمها، وهل سيوافق “الحزب” لاحقاً على شروط المجتمع والبنك الدوليين ومنها ضبط المعابر الحدودية غير الشرعية أو الشرعية، مثل المرفأ والمطار؟. “الحزب” الذي اعتبر زيارة السفيرتين الفرنسية والأميركية إلى الرياض في إطار “الفضيحة” و”الانتداب”.

اتهامات عديدة لاحقت “التكليف” منها، أن المقصود بإشاعة الأجواء التفاؤلية، ليست إلا مناورة من قبل السلطة لامتصاص غضب ونقمة الشارع، الذي يتحضر لتحرك في 4 آب المقبل ذكرى تفجير المرفأ. ميقاتي الذي يريد “ثقة الشعب” تنتظره ألغام كثيرة في الطريق للسراي الحكومي، وربما عليه أن يستفيد من الزخم الداعم المتوفر حالياً، لأن أي مماطلة قد تضعه بنفس النفق المظلم الذي مر به السفير مصطفى أديب والرئيس السابق سعد الحريري.

شارك المقال