رحلة كولونا في المتاهة اللبنانية – الاسرائيلية – الفلسطينية

جورج حايك
جورج حايك

بدت رحلة وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا إلى الشرق الأوسط أشبه برواية “أليس في بلاد العجائب”، لأن الطرح الذي حملته عن ضرورة تطبيق القرار 1701 من دون تأخير، لم يلقَ التجاوب المطلوب وخصوصاً من القوى المتنازعة: اسرائيل، “حزب الله” و”حماس”. فهي كانت في وادٍ والقوى المتنازعة في وادٍ آخر.

ومن الواضح أن جولة كولونا لا تنفصل عن التوجّه الأممي الذي يُطالب بتطبيق القرار الدولي فوراً تجنباً لحرب قد تتوسّع لتشمل جبهات أخرى، وأهمها جبهة الجنوب اللبناني التي تتصاعد فيها المواجهات بين اسرائيل و”الحزب” يوماً بعد يوم.

والمفارقة، وفق مصادر إعلامية فرنسية مواكبة لجولة كولونا، أن الوفد المرافق لها، شعر أنها تتعاطى مع حكومات لا شرعية حقيقية لها أو تكثر الالتباسات حولها، سواء في لبنان أو مع المسؤولين الفلسطينيين، وبوضوح أكثر لا يمثّل هؤلاء القوى المتنازعة عسكرياً على الأرض مثل “حزب الله” و”حماس”، علماً أن رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو لا يعبّر أيضاً عن وجدان الشعب الاسرائيلي الذي ينوي محاسبته بعد الحرب.

لذلك، لم تجد كولونا أن الجهات الرسمية التي التقت بها قادرة على البحث عن حلول سياسية، فالرئيس نجيب ميقاتي مسؤول عن حكومة تصريف أعمال ويعترف بأن قرار الحرب والسلم ليس في يده. والتقت في الضفة الغربية رئيس الوزراء في السلطة الفلسطينية محمد أشتية، وحتماً هو لا “يمون” على حركة “حماس” التي تدير القتال في قطاع غزة، علماً أن هذه الاشكالية تواجه كل الديبلوماسيين الغربيين الذين يأتون للبحث عن حلول بين الأطراف المتنازعة في الشرق الأوسط.

وتؤكّد المصادر الاعلامية الفرنسية أن ما سمعته كولونا من الجانب الاسرائيلي كان واضحاً وليس مناورة، مفاده أن حكومة نتنياهو تريد تطبيق القرار 1701 سواء بالمفاوضات الديبلوماسية أو الحرب، لتنشر الحكومة اللبنانية قواتها المسلحة في الجنوب بالتعاون مع قوات الطوارئ الدولية التابعة للأمم المتحدة “يونيفيل”، وإنشاء منطقة بين الخط الأزرق ونهر الليطاني تكون خالية من أيّ مسلّحين ومعدات حربية وأسلحة عدا تلك التابعة للقوات المسلحة اللبنانية وقوات “يونيفيل”.

وتضيف المصادر: “ان التوقيت مهم، وليس مفتوحاً أو قابلاً للمناورات من حزب الله، وقد يقع المحظور إذا لم يبادر الحزب إلى تطبيق القرار الدولي من دون تباطؤ، إلا أن ما سمعته الوزيرة الفرنسية عبر قنوات رسمية لبنانية ترتبط بالحزب لا يُطمئن على المدى الطويل، فهو لا يريد البحث في أي حلول أو أفكار قبل توقف الحرب الاسرائيلية على غزة، أما بعد ذلك فلكل حادث حديث. وتوجهات الحزب أنه لن يقبل إلا بالعودة الى تطبيق القرار 1701 كما كان مطبّقاً حتى 7 تشرين الأول الفائت، أي أنه يريد أن يُبقي على وجوده وسلاحه جنوباً، لكن بصورة خفية على ألا يبادر هو الى الهجوم على اسرائيل… فهل يكفي هذا الحل تل أبيب وهل ترضى به؟ وهل يرضى العالم بأن يقول لبنان الرسمي كلامياً أنه ملتزم الـ1701، بينما عملياً الجنوب ساحة لحزب الله وسواه؟”.

لا شك في أن رحلة الوزيرة كولونا إلى دول النزاع في الشرق الأوسط كانت أشبه بمتاهة، وترى المصادر الاعلامية الفرنسية أن كولونا أخذت وعداً من الطرفين بعدم التصعيد في الجنوب إلى حد الانزلاق نحو حرب كبيرة حتى انتهاء حرب غزة، تاركين المجال للعملية الديبلوماسية أن تأخذ مداها.

أما على صعيد غزة، بحسب المصادر نفسها، فلم يكن التجاوب أفضل مع مبادرة كولونا التي دعت الطرفين الاسرائيلي والفلسطيني إلى هدنة سريعة وطويلة في القطاع، إلا أن الجواب كان من اسرائيل خصوصاً “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” حالياً، ولديها أهداف لن تتوقف قبل تحقيقها.

وتلفت المصادر إلى أن الزخم الدولي الذي يدفع الى تطبيق القرار 1701 وتجنيب لبنان الحرب لن يتوقف، وهو بدأ مع زيارة الموفد الأميركي آموس هوكشتاين ثم الموفد الفرنسي جان ايف لودريان والآن الوزيرة كولونا، وستتبعها زيارة أخرى للودريان في مطلع السنة الجديدة، مكلفاً من اللجنة الخماسية. ومن شأن هذه الزيارات أن تخلق قوة ردع ديبلوماسي لعدم الإنجرار نحو المحظور مؤقتاً.

وقد توافرت معطيات من اللقاءات التي أجرتها كولونا في لبنان بأن الفرنسيين منفتحون على أفكار واقتراحات تساعد على تطبيق القرار 1701 ربما عبر ارسال المزيد من القوات الفرنسية لتكون على الأرض إلى جانب الجيش اللبناني، وليس سراً أن كولونا أبدت ارتياحها في هذا السياق الى التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون الذي سيكون له دور أساسي في تطبيق القرار 1701، وربما كانت النقطة الايجابية الوحيدة التي خرجت بها كولونا من زيارة لبنان. ولم يعد مؤكداً أن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون سيقوم بزيارة إلى لبنان بعد الغائه الرحلة التي كانت مقررة خلال عيد الميلاد لقضائه مع القوة الفرنسية العاملة في الجنوب، وذلك بسبب الأعمال الحربية المتصاعدة هناك.

خلاصة زيارة الوزيرة الفرنسية إلى لبنان، أن المسؤولين اللبنانيين لن يجدوا أصدق من فرنسا للمساعدة من أجل تجنيب لبنان حرباً دامية ومدمّرة، وخصوصاً أن الفرنسيين لمسوا جديّة لدى اسرائيل في حسم موضوع القرار 1701، وبالتالي لا مجال للمناورات، وهذا ما حاولت كولونا أن تبلغه لـ”حزب الله” عبر المسؤولين اللبنانيين الذين التقت بهم، سواء الرئيس ميقاتي أو الرئيس نبيه بري، علماً أن كولونا علمت من المسؤولين الاسرائيليين أن الجيش أنجز الخطط للقيام بعملية برية في لبنان ليطبّق القرار 1701، وهذا ما يتقاطع مع تقارير بريطانية تؤكّد ذلك. من هنا يبدو أن هناك سباقاً بين الحرب والديبلوماسية، فلمن ستكون الكلمة الأخيرة يا تُرى؟

شارك المقال