ما الذي يتطلبه الحلّ في فلسطين؟

حسناء بو حرفوش

ما الذي يتطلبه الحلّ في فلسطين؟ وفقاً لمقال رأي في موقع “كارنيغي” الالكتروني، لا يمكن العودة إلى الصيغة القديمة للتفاوض بمجرد انتهاء الحرب في غزة، لأن ذلك سيزيد الأمور صعوبة ويفضي إلى فشل جديد.

ووفقاً للمقال، “بات من المستحيل تقريباً تصور وضع يوفر الظروف اللازمة لانهاء الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، وإقامة دولة فلسطينية مستقلة. ولا يملك أي من الأطراف المعنية (إسرائيل، أو الفلسطينيون أو الولايات المتحدة أو المجتمع الدولي) الرغبة أو القدرة أو الشرعية لإطلاق عملية سياسية تغلق الباب في وجه الاحتلال.

ومع ذلك، تشير دلائل إلى أن تفكير الولايات المتحدة وآخرين في إطلاق عملية سياسية بعد انتهاء الحرب على غزة. وكرر الرئيس جو بايدن التزامه بحل الدولتين. ومع ذلك، يظل هذا الاقتراح مجرد شعار أميركي، وهو بعيد عن أن يصبح حقيقة.

بالتالي، من أجل تجنب الانجرار مجدداً إلى عملية عقيمة، يجدر تقديم وجهة نظر مختلفة وبلورة حزمة مقبولة من المنظور الفلسطيني والعربي. ولكن بغياب مثل هذه الجهود يبقى تفكير واشنطن محصوراً في إطار عفا عليه الزمن، ويدور مراراً في فلك المفاوضات الفلسطينية – الاسرائيلية التي تفشل في إنهاء الاحتلال ولا تنجح في إقامة دولة فلسطينية مستقلة. إذا كانت الولايات المتحدة لا تزال تتطلع إلى تعزيز مثل هذا النهج، متجاهلة الأحداث التي وقعت منذ السابع من تشرين الأول، فمن الأفضل توضيح عدم جدوى هذا المشروع، لأنه لم يعد أحد مقتنعاً بأنه يمكن أن يؤدي إلى نتائج إيجابية.

وبينما يبدو واضحاً أن فرصة إطلاق عملية سياسية جدية معدومة، لا يزال من المفيد تحديد ملامح خطة تعالج الأسباب الرئيسة للصراع وتؤدي الى إنهاء الاحتلال الاسرائيلي. وينبغي على الولايات المتحدة، التي تعمل من خلال اللجنة الرباعية حول الشرق الأوسط (الولايات المتحدة وروسيا والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي) أو من خلال الأمم المتحدة، أن تبدأ بإعلان أن الهدف النهائي للمفاوضات هو إنهاء الاحتلال الاسرائيلي وإقامة دولة فلسطينية في غضون ثلاث إلى خمس سنوات. وتعني عملية الهندسة العكسية هذه أن اللجنة الرباعية أو الأمم المتحدة ستحدد الهدف في البداية، قبل أن تبدأ المفاوضات حول الخطوات اللازمة لتحقيقه، وليس حول ماهية الهدف.

وتعتمد هذه العملية على التزام المجتمع الدولي الاعتراف بدولة فلسطين على أساس حدود عام 1967، من خلال قرار ملزم من جانب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة قبل بدء المفاوضات. وهذا من شأنه أن يمنع إسرائيل من المماطلة ومحاولة كسب الوقت، كما فعلت في الماضي.

وحينئذ سوف يتطلب الأمر إجراء انتخابات جديدة، سواء في إسرائيل أو في الأراضي الفلسطينية المحتلة، من أجل إنتاج زعماء جدد ملتزمين بإنهاء الاحتلال ويتمتعون بالشرعية اللازمة لإبرام مثل هذا الاتفاق. وتشير استطلاعات الرأي إلى مواجهة الائتلاف الاسرائيلي الحاكم الحالي أزمة كبيرة، في حين لم يعد بإمكان السلطة الوطنية الفلسطينية ادعاء التحدث باسم الشعب الفلسطيني، على الأقل حتى إجراء انتخابات جديدة.

بعد ذلك، ستطلق عملية إعادة إعمار غزة بالتعاون مع المجتمع الدولي، والبنك الدولي وصندوق النقد الدولي كجزء من حزمة متكاملة. وستكون هناك حاجة الى ضمانات لضمان عدم قيام إسرائيل بتدمير البنية التحتية مرة أخرى، كما فعلت مرات عديدة. كما سيتم إنشاء صندوق دولي لمساعدة الفلسطينيين على البقاء في أراضيهم في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية ومنع تهجيرهم القسري، وهو ما يدّعي المجتمع الدولي أنه يعارضه.

ومن الواضح أن هذه الخطة طموحة للغاية، ولكن هذه العناصر تمثل الحد الأدنى المطلوب إذا كان المجتمع الدولي يريد حقاً إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية. لكن الواقع هو أن غياب مثل هذه الارادة الدولية، إلى جانب التعنت الاسرائيلي، يجعلان تنفيذ مثل هذا الاقتراح شبه مستحيل. ولذلك، فإن السيناريو الأكثر واقعية هو أن تستمر إسرائيل في رفض إنهاء الاحتلال بينما يستمر المجتمع الدولي في التشدق بحل الدولتين، من دون اتخاذ الاجراءات اللازمة لتحقيقه.

وسيستمر الوضع في التدهور نحو صراع مسلح شامل، وتستمر الأغلبية الديموغرافية الحالية للفلسطينيين داخل الأراضي التي تسيطر عليها إسرائيل في النمو، ويستمر هذا الاتجاه حتى يعترف المجتمع الدولي بأن إسرائيل تشرف على نظام فصل عنصري.

ومع تلاشي كل الآمال بإقامة دولة فلسطينية ورفض الفلسطينيين البقاء تحت الاحتلال الدائم، سيبدأون بالمطالبة بحقوق متساوية في عملية مماثلة لما حدث في جنوب إفريقيا. وسيبذلون جهداً لبناء دولة جديدة ثنائية القومية للفلسطينيين واليهود، بدلاً من الاختفاء في الدولة الاسرائيلية الحالية.

وستستمر إسرائيل في رفض هذا الطلب، كما ستحافظ على نظام الفصل العنصري وحكم الأقلية على الأغلبية، مع السعي باستمرار الى تهجير السكان الفلسطينيين، الذين سوف يتصدون بحزم لمثل هذه المساعي. وسيتبلور الرأي العام الدولي، متأخراً ومع مرور الوقت، في هيئة معارضة للفصل العنصري، تماماً كما رفض قبول مثل هذا النظام في جنوب إفريقيا.

وبالتالي، سيحل الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي ديموغرافياً، وربما على غرار الكونفدرالية البلجيكية أو السويسرية. وهذا من شأنه أن يمكن الفلسطينيين من تحقيق تطلعاتهم الوطنية والسياسية من دون رؤية هويتهم تختفي في هوية إسرائيل. ومن الواضح أن الحل لن يكون سريعاً أو سهلاً ما دام المجتمع الدولي يقبل بالاحتلال. وإذا استمر العالم في تجاهل أساس الصراع، سيضطر في نهاية المطاف الى التعامل ليس مع الاحتلال ذاته فحسب، بل وأيضاً مع نظام الفصل العنصري الذي أنشأه. وقد برهن التاريخ إلى أين يمكن أن يؤدي ذلك”.

شارك المقال