مَنْ أخبرهم؟

عاصم عبد الرحمن

بعد ميشال حايك، ليلى عبد اللطيف، ماغي فرح وغيرهم من الذين كشف الله عن بصيرتهم فتراءت لهم الماورائيات وتمكنوا من قراءة مسار البشر ومصيرهم ورسموا طريقاً للحياة كالأعمار والأرزاق والولاية واندلاع الحروب عجز عن إدراكها حتى الأنبياء والأولياء، ها هم محللون سياسيون خارقون يخرجون إلينا بمهمات تخطت التحليل السياسي إلى ضرب مواعيدٍ للأحداث غير الواقعية وغير المتوقعة وتسمية أبطالها وتحديد عدد ضحاياها. فهل كُشف عنهم الحجاب حتى قرأوا أسرار المستقبل السياسي؟

ما هو التحليل السياسي؟

هو عملية فهم وإدراك عميق لجذور الممارسة السياسية وأصولها، ويشمل ذلك الاهتمام بالعقائد ومصالح الأطراف المعنية. يركز التحليل السياسي على نتائج السياسة وأهدافها، ويعتبر نوعاً من التفكير الاستراتيجي الذي يسعى إلى فهم طبيعة الأحداث السياسية وأسبابها ومساراتها والدوافع التي تؤدي إلى حدوثها، بالاضافة إلى متابعة تطوراتها. ويحرص أيضاً على معرفة الأحداث التاريخية المماثلة والشواهد التي قد تقدم فهماً عميقاً للتطورات الحالية والأحداث الجارية.

يعتبر التحليل السياسي للأحداث والوقائع ذات الصلة بالشأن العام أساساً رئيساً لفهمها وتفسيرها والتعرف على تأثيراتها وانعكاساتها على المجتمع والسلطة. يتم ذلك من خلال التركيز على جوانبها المتعددة وأبعادها المختلفة باتباع مجموعة من المتطلبات والخطوات والأبعاد التي تعتبر مقدمة ضرورية لعملية التحليل بهدف الوصول إلى الحقيقة والواقع.

أهمية التحليل السياسي

إنَّ التحليل السياسي أمرٌ ضروريٌ في الحياة السياسية والاعلامية ولدى صنّاع القرار وحتى بين الأفراد العاديين الذين يهتمون بالشؤون العامة. ويُعتبر محركاً لعملية تشكيل الوعي والوقاية من الظواهر الخطيرة الزاحفة والأزمات السياسية. كما يساعد في تحليل أسباب الظواهر والتهديدات والأزمات ويساعد في تقديم الحلول واختيار القرارات الأكثر فاعلية، وبذلك يُقدم التحليل السياسي وقاية للدولة والمجتمع ويساهم في تعزيز مصالح الدولة وحركة الاقتصاد والاستقرار السياسي. يساعد التحليل السياسي النقدي المسؤول مثلاً في تقديم العلاج لبعض الظواهر السلبية المنتشرة في الدولة مثل الفساد والاستبداد والإقصاء، إذ يعمل على توطيد الروابط بين جميع الأطراف الفاعلة في الدولة والمجتمع ويساهم في تحقيق التوازن والاستقرار.

التحليل الماورائي

ينشغل التحليل السياسي الماورائي في ما يُعتقد أنه قائم وراء الواقع السياسي المحدد وينتهي به الأمر إلى تشتيت الواقع وبعثرته. ويستند إلى افتراض وجود أعداء ثابتين يهدفون إلى تدميرنا بطرق خفية، وبالنسبة الى هذا التفكير، فإنه ليس سوى إشاراتٍ تدل على شبكةٍ غير مرئيةٍ من الحيل والمخططات الجهنمية. وعلى اعتبار أن هذه الشبكة غير مرئية، فإن المحلل السياسي يستطيع أن يصوغها وأن يضع غاياتها كما يحلو له فيعطي للوقائع تفسيرات تناسب ميوله ومصالحه. واللافت أن لهذا النوع من التحليل متعة خاصة ليس للطرف الذي ينتجه وحسب، بل أيضاً للطرف الذي يتلقاه والقاسم المشترك بين هاتين المتعتين هو التظلُّم والتحرُّر من الشعور بالمسؤولية.

ويفيد التحليل الماورائي بأنه يسمح لأصحابه بتفادي مواجهة الحقائق التي لا تروق لهم من خلال ربطها بشبكةٍ خفيةٍ وإعطائها بالتالي تفسيرات مخالفة لحقيقتها. والغاية الأساسية لهذا التحليل هي الترويج لطرف سياسي معين أو تشويه صورة آخر وفقاً لمصالح يخبئها المحلل الماورائي في جيبه.

محللون ماورائيون

لا ضير في أن يكون للمحللين السياسيين علاقات مع سفارات أجنبية وأجهزة أمنية وعسكرية، ذلك أن التحليل السياسي يقوم على ركيزتين أساسيتين:

الأولى: نظرة ثاقبة للأمور ومعرفة وافية وعلمية بالقضايا التي يناقشها أو يحللها.

الثانية: معلومات حصرية ومصادر خاصة بالمحللين لربطها في سياق الأمور وبناء التحليل السياسي وفقاً لتواتر هذه المعلومات.

ولكن أن يخرج إلينا محلل متحلل من المعرفة الوافية وتجتمع في شخصه اختصاصاتٌ متعددة ليناقش مختلف قضايا الشأن العام من سياسية ودستورية واقتصادية ومالية واجتماعية وتربوية وصحية والأبرز اليوم عسكرية واستراتيجية مواكبةً للعدوان الصهيوني على غزة، لا بل يحدد لنا أشهراً دموية أو يروي لنا محاضر اجتماعات رؤساء الدول العظمى، يبنون نتائج مشاورات المسؤولين على خروج الزعيم من الاجتماع متجهم الوجه أو مبتسماً.

محلل سياسي يعطيك الحرف الأول من اسم الرئيس المقبل جازماً فوزه بمنصب رئيس الجمهورية. محلل آخر يناقش صفقة ما بين حزبين أو طرفين كامتداد لمصالح خارجية وبناءً على علاقات سياسية تجمع رئيسَيْ دولتين. أما آخر صيحات التحليل السياسي فتتمثل في خروج أحد المهرجين ومقدمي البرامج الساخرة الذي انفجرت موهبته السياسية إبان انتفاضة 17 تشرين الأول 2019 بإعلان امتلاكه لسرٍ سياسي يقلب الموازين رأساً على عقب فيما لو أفصح عما في حوزته. ومن منا لا يذكر المحللة السياسية المكرمة بوسام شرف الذكاء الاصطناعي التي تسربت إليها رائحة الغاز من أحد البلوكات النفطية في سياق ترويجها الأعمى لفريقها السياسي.

محلل متفائل يضرب موعداً لحرب كبرى في البلاد وغرق مدننا في بحر من الدماء. فيما محلل عاطفي يدعو إلى التقاط الصور وإعداد الأغاني الوطنية للوقوف فيها على أطلال ما سيتبقى من لبنان. أما أحد أبرز المحللين السياسيين والذي لا يمكن إخفاء الكم الهائل من المعلومات السياسية التي يمتلكها أو المعطيات الاستخباراتية التي يطلع عليها ثم انه لا يخفي علاقاته المتعددة مع أكثر من جهة، فيبالغ في ربط أحداث الكواكب والمحيطات بمجريات السياسة اللبنانية كما أنه يضرب مواعيد لأحداث مرتقبة نتخطى المهل ولا نشهد عما حدثنا به أو حذرنا منه.

لا شك في أن المحلل السياسي هو ركن أساس في الاعلام لشرح مجريات الأحداث وتوجيه الرأي العام خصوصاً عندما يقدم شرحاً تفصيلياً مرفقاً بمعلوماته الحصرية طبقاً لما يمتلكه من معطيات علمية ووفقاً لتخصصه العلمي فالسياسة هي فن الممكن وكل شيء قابل للتغير. لكن أن يبني تحليله على المبالغة والمؤامرة وخلق عدو وهمي مدعياً أنه على حق، فتلك حفلة استخفاف بعقول العامة التي اكتفت إحباطاً من الواقع يتحمل مسؤوليتها القيمون على النافذة الاعلامية التي أُتيحت له.

شارك المقال