مايسترو إيراني من البحر الأحمر الى الجنوب اللبناني… فما الهدف؟

جورج حايك
جورج حايك

تحاول إيران أن توحي للغرب وتحديداً للأميركيين بأن لا علاقة لها بما يحصل في بعض النقاط الساخنة في الشرق الأوسط، على الرغم من أن الطرف الأساسي في هذه النزاعات والحروب هي الأذرع العسكرية المموّلة والمسلّحة والمدرّبة من إيران، أكان حركة “حماس” في غزة و”حزب الله” في جنوب لبنان والحوثيين في البحر الأحمر.

مناسبة هذا الكلام ليست عملية افتراء على إيران، إنما تسرّب إلى بعض الديبلوماسيين الأميركيين تقرير له أبعاد مخابراتية يؤكّد أن كل هذه الساحات مرتبطة بإيران، بل هي المايسترو الأساسي فيها وصاحبة القرار والتخطيط، إلا أن ليس من مصلحتها أن تكون في الواجهة نظراً إلى مخاوفها وهاجسها من أن ينعكس ذلك على نظامها.

ويلفت التقرير، وفق بعض الديبلوماسيين، إلى أن ايران “الصامتة” ليست مرتاحة إلى ما يحصل في الجنوب اللبناني ووضعية “حزب الله” هناك، وخصوصاً التهديدات الاسرائيلية بعملية برية لإبعاد “الحزب” إلى الليطاني، كما أزعجتها في المرحلة الأخيرة الضغوط الدولية لتطبيق القرار 1701، وهذا من شأنه إذا حصل أن يُفقدها ورقة تستفيد منها استراتيجياً وتفاوضياً مع الولايات المتحدة الأميركية.

ولا شك في أن “الحزب” يُعتبر أهم ذراع عسكرية صنعتها إيران، ويأتي في صلب أولوياتها بعد نظامها والحرس الثوري الايراني، وقد أنفقت عليه الكثير من الأموال والسلاح، وهو حقق لها أهدافها في لبنان وسوريا وصولاً إلى العراق والمساعدة في تدريب الحوثيين في اليمن، لذلك يُعتبر “الحزب” دُرّة إيران وتاج مشروعها التوسعي، وبالتالي ليست مستعدة لأن تتخلى عنه أو عن دوره الاستراتيجي وتكبيله بالقرارات الدولية التي غالباً ما تحداها النظام الايراني ولم يعترف بها، ويعمد إلى المناورات والمراوغة لتجاوزها، لاعباً على التناقضات في السياسة الغربية ولا سيما تبدّل الادارات الأميركية ما بين الديموقراطيين والجمهوريين، وتغيّر السياسات ما بين التشدد والأقل تشدداً.

وما يتضمنه التقرير الذي صدر حديثاً خطير، إذ يشير إلى أن ما يجري في البحر الأحمر وباب المندب بواسطة الحوثيين اليمنيين خطّطت له إيران بدقة، وهو ليس مرتبطاً بحرب غزة، موضحاً أن الصواريخ الباليستية والمسيّرات التي أطلقها الحوثيون في البداية نحو إيلات واعترضتها اسرائيل، كانت دعماً لفلسطين، وبدت غير فاعلة نظراً إلى المسافة الطويلة التي تعبرها ويمكن لاسرائيل أو السفن الحربية الأميركية التعامل معها.

أما ما يحصل اليوم من تصعيد في البحر الأحمر وباب المندب عبر الهجمات التي شنّها الحوثيون على السفن التجارية فلا علاقة له بحرب غزة، على ما جاء في التقرير، إنما جرى التخطيط له في إيران بهدف التسبّب في إرباك للغرب وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية التي حشدت أسطولها البحري وحاملات الطائرات إلى المنطقة، وبالتأكيد ان الحوثيين لا يجرؤون وحدهم على المجازفة بهذا الشكل وتعريض الملاحة البحرية الدولية للخطر من دون ضوء أخضر إيراني.

لذلك ما يجري في البحر الأحمر، وفق الديبوماسيين الأميركيين، يُمهّد لحرب وشيكة منفصلة عن حرب غزة والقضية الفلسطينية، ويبدو أن ايران تُخاطر بالحوثيين الذين موّلتهم وسلّحتهم ودرّبتهم لزعزعة أمن الخليج والسعودية، وقد هدأت هذه الجبهة بعد اتفاق بكين بين إيران والسعودية. إلا أن مهمّة الحوثيين اليوم مختلفة، وهي فرض سيطرة ايرانية على الممرات البحرية لجعلها ورقة ضغط جديدة على الأميركيين.

وبالفعل نجح الحوثيون في أداء المهمة، مستفيدين من مخاوف الادارة الأميركية من توسّع الحرب، إلا أن الأضرار الاقتصادية والتجارية التي تسبّب فيها هؤلاء، وفق التقرير المُسرّب، جعل إدارة الرئيس جو بايدن تعيد النظر، لأن مرور السفن عبر قناة السويس التي يمر منها نحو 12 بالمئة من حركة التجارة العالمية بات مقيّداً، والسفن التجارية باتت تتجنّب الإبحار في البحر الأحمر وقناة السويس وتستخدم مساراً أطول كثيراً بالدوران حول قارة إفريقيا، ما سبب ارتفاعاً في أسعار الشحن البحري وصعود أسهم شركات الشحن نظراً إلى حالة الارباك.

وبعد مشاورات أميركية مع الحلفاء الأوروبيين، تمّ تشكيل قوة متعددة الجنسيات لحماية التجارة في البحر الأحمر عبر تأمين مسارات السفن العابرة لمضيق باب المندب وجنوب البحر الأحمر، من دون التوسّع إلى عمليات هجومية على الحوثيين. بمعنى آخر، إذا كان التهديد من الزوارق البحرية الحوثيّة فإنها ستغرقها أو تطاردها، وإذا كان من البَر فستردّ على مصادر النيران، ولا شيء يمنع من توسّع العمليات أكثر، وربما قد يزداد الصراع حدة وخصوصاً أن هناك أهدافاً سياسية لإيران تريدد أن تحققها.

وهذا ما كشفه التقرير ويتحدّث عنه بإسهاب، فإيران تريد أن تستغل ورقة هجمات الحوثيين في البحر الأحمر لتنفيس الضغط على “حزب الله” في الجنوب اللبناني، بل أكثر من ذلك، تريد المقايضة في أي مفاوضات قريبة مع الأميركيين بين منع الحوثيين من تعريض الملاحة البحرية التجارية الدولية للخطر، مقابل صرف نظر الأميركيين والاسرائيليين عن تطبيق القرار 1701، أو إيجاد مخرج له يعيد “الحزب” إلى الوضع الذي كان عليه ما قبل 7 تشرين الأول الفائت، أي تهدئة الساحة الجنوبية اللبنانية بعد انتهاء حرب غزة ومحافظة “الحزب” على وجوده هناك.

لذلك يربط التقرير بين ما يحصل في البحر الأحمر والجنوب اللبناني ووضعيّة “حزب الله” خصوصاً وتطبيق القرار 1701 الذي تريد إيران إبعاد كأسه المرة عن ذراعها العسكرية اللبنانية.

لكن لا يبدو أن حكومة الحرب الاسرائيلية معنيّة بمبدأ المقايضات الايراني، وقد اتخّذت قرارها بإبعاد “الحزب” بالحرب أو بالديبلوماسية، وهذا ما أكّده الموفدون الفرنسيون والأميركيون للمسؤولين اللبنانيين، والأمور متجهة عكس ما تشتهيه إيران، لذلك قد تنزلق إلى استمرار الحرب في غزة، وتوسّع الحرب في الجنوب اللبناني نتيجة رفض “الحزب” تطبيق القرار الدولي، ونشوب حرب في البحر الأحمر لإنهاء الحالة الحوثيّة الشاذة، فتكون مناسبة لإنهاء الأذرع العسكرية الإيرانية في المنطقة التي غالباً ما زعزعت استقرار الشرق الأوسط.

شارك المقال