غزة… أكثر الحروب تدميراً في القرن 21

حسناء بو حرفوش

تشهد غزة ما يمكن تصنيفه ضمن أكثر الحروب ضراوة في هذا القرن، فقد أدت الغارات الجوية الاسرائيلية والغزو البري الى تدمير مساحات كبيرة من الأراضي المحاصرة، وقتل ما لا يقل عن 20057 شخصاً وتشريد الغالبية العظمى من السكان. وتسبب القصف الاسرائيلي الجوي في تسوية مباني المدينة بأكملها بالأرض.

صحيفة “واشنطن بوست” قامت بتحليل صور الأقمار الصناعية وبيانات الغارات الجوية وتقويمات الأمم المتحدة للأضرار، وأجرت مقابلات مع أكثر من 20 من عمال الاغاثة ومقدمي الرعاية الصحية والخبراء في الذخائر والحروب الجوية. وأظهرت الأدلة أن وتيرة الحرب في غزة ومستوى الدمار من المرجح أن يتجاوزا أي صراع حديث، بحيث دمرت أعداد أكثر من المباني، وفي وقت أقل بكثير، مما تم تدميره خلال معركة النظام السوري في حلب من العام 2013 إلى العام 2016، وأكثر من تلك التي دمرت في الحملة التي قادتها الولايات المتحدة لمحاربة تنظيم الدولة الاسلامية في الموصل بالعراق والرقة بسوريا في العام 2017.

وعلى الرغم من أن السياق قد يجعل المقارنة معقدة بعض الشيء، كتب الدكتور مايكل نايتس من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، عن “تحدي الحرب الحضرية في غزة والدروس التي يمكن تعلمها من الموصل والرقة”. وفي بحثه، لفت إلى أن كل معركة حضرية هي فريدة من نوعها وتتشكل من خلال منظر المدينة والتضاريس البشرية والقوات، لذا فإن مقارنة غزة مع ساحات القتال والمقاتلين الآخرين في المناطق الحضرية تعد خطوة أولى مفيدة. على الرغم من أن مساحة قطاع غزة تبلغ 140 ميلاً مربعاً عموماً، إلا أن مناطقه شبه الحضرية والمنخفضة الكثافة العديدة تعني أنه يمكن بشكل أكثر دقة اعتبار ساحة المعركة الحضرية شبكة من أربع إلى ست مناطق أصغر، أكبرها مدينة غزة، والتي تغطي حوالي 20 ميلاً مربعاً، بالاضافة إلى عدد من المناطق التي تبلغ مساحتها 5 أميال مربعة (مثل خان يونس ورفح). وهذا يجعلها أصغر إلى حد ما من ساحات القتال الحضرية السابقة في شرق الموصل وغرب الموصل (حوالي 30 ميلاً مربعاً لكل منهما) وتقريباً مساحة الرقة نفسها في سوريا، “العاصمة” السابقة لتنظيم الدولة الاسلامية (داعش). ومع ذلك، فإن عدد سكان غزة البالغ حوالي مليوني نسمة يعادل عدد سكان الموصل في العام 2014 تقريباً، عندما سقطت المدينة في أيدي تنظيم الدولة الاسلامية. بعبارات أخرى، مدينة غزة تعد أكثر كثافة سكانية بكثير من بيئات المعارك الحضرية الأخرى الأخيرة – على الرغم من أن عدد السكان الذي سيبقى بعد كل ما يحصل غير واضح.

وتعتبر غزة ساحة معركة حضرية معقدة بصورة غير عادية. وهناك في المدينة حوالي ستين مبنى بارتفاع ستة طوابق أو أكثر، مقارنة بعدم وجود أي مبنى كذلك تقريباً في معركة الموصل 2016-2017 ومعركة الرقة عام 2017. كما استثمرت “حماس” جهداً كبيراً في تطوير الأنفاق العسكرية تحت القطاع، ما أدى إلى توسيع مساحة المعركة المحتملة إلى حد غير معروف. في المحصلة، سوف يستلزم الاستيلاء على جميع المناطق الحضرية في غزة عملية تعادل معركة واحدة بحجم معركة غرب الموصل بالاضافة إلى معركة واحدة أو اثنتين بحجم معركة الرقة (من غير المؤكد ما إذا كانت هذه المعارك ستتكشف بالتسلسل أو بالتوازي).

لماذا درجة العنف هذه؟

وتنظر إسرائيل إلى غزة على أنها تهديد وجودي بطريقة لم يكن التمرد العراقي ولا “داعش” يمثلها للولايات المتحدة. وهذا ما يترجم من خلال الغارات التي يشنها الجيش الاسرائيلي بصورة متكررة وواسعة النطاق بالقرب من المستشفيات، التي من المفترض أن تتلقى حماية خاصة بموجب قوانين الحرب. وكشفت صور الأقمار الصناعية التي استعرضها مراسلو صحيفة “واشنطن بوست” عن عشرات الحفر الواضحة بالقرب من 17 من أصل 28 مستشفى في شمال غزة، حيث كان القصف والقتال على أشده خلال الشهرين الأولين من الحرب، بما في ذلك 10 حفر تشير إلى استخدام قنابل تزن ألفي رطل، وهي الأكبر في الاستخدام المنتظم.

ووصفت ميريانا سبولياريتش إيغر، رئيسة اللجنة الدولية للصليب الأحمر، غزة بالمكان الذي يفتقر الى المساحة الآمنة. فهناك، “لا شارع واحد إلا وفيه بنية تحتية مدنية مدمرة، بما في ذلك المستشفيات”. وقال مايكل لينك، الذي شغل منصب المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحقوق الانسان في الأراضي الفلسطينية عام 2016: “يبدو أن حجم القتلى المدنيين الفلسطينيين في مثل هذه الفترة القصيرة من الزمن هو أعلى معدل للضحايا المدنيين في القرن الحادي والعشرين”.

وفي ما يزيد قليلاً عن شهرين، أطلقت القوات الجوية الاسرائيلية أكثر من 29.000 ذخيرة جو-أرض، (40 إلى 45% منها كانت غير موجهة)، وفقاً لتقويم حديث صادر عن مكتب مدير المخابرات الوطنية الأميركي. وكان معدل القصف أعلى بحوالي مرتين ونصف المرة من ذروة جهود التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة لهزيمة تنظيم الدولة الاسلامية، والذي أطلق في ذروته 5075 ذخيرة جو-أرض عبر كل من العراق وسوريا في شهر واحد. ولم يخف الجيش الاسرائيلي استهدافه للمستشفيات.

ومع استمرار الحملة العسكرية الاسرائيلية، أظهرت صور الأقمار الصناعية التي استعرضتها صحيفة “واشنطن بوست” كيف دمرت الضربات العنيفة حول مستشفيات غزة أحياء بأكملها، ودمرت البنية التحتية وشردت المدنيين، ما عقد عمل المستشفيات وأخرجها من الخدمة في أحيان كثيرة. وأظهرت البيانات أن القصف الاسرائيلي وغيره من أعمال القتال قد ألحق أضراراً بالمباني على مسافة 180 متراً من جميع مستشفيات شمال غزة البالغ عددها 28 مستشفى. وفي شمال غزة، أظهرت الأدلة المرئية وغيرها من الروايات كيف أطلقت القوات الاسرائيلية النار على المستشفيات وقصفتها وحاصرتها وداهمتها. ومن شأن كل ذلك، في كل السيناريوهات، أن يقلب الرأي العام العالمي ضد إسرائيل بغض النظر عن التفاصيل الدقيقة التي تتحجج بها مثل “الضرورة العسكرية”.

شارك المقال