لبنان الى ميلاد؟

لينا دوغان
لينا دوغان

كل أنظار العالم تتجه في فترة الميلاد الى منطقة الشرق الأوسط تحديداً فلسطين، التي على ما يبدو أنها لن تعيش الأعياد تعبيراً عن الوحدة مع غزة كما أعلنت الكنائس في جميع أنحاء فلسطين، حيث يشتد الحصار والخناق على مدينة بيت لحم وكنيسة المهد، وتعيش مدينة القدس حيث كنيسة القيامة حالة عسكرة شديدة، وحصاراً للبلدة القديمة بصورة تعوق حركة المسيحيين فيها.

واذا كانت الأنظار على فلسطين، فالعين على لبنان، الذي لا يعيش حالاً أفضل في الأعياد، فهو المتأثر بصورة كبيرة بالحرب الدائرة في غزة ويشهد جنوبه مناوشات مستمرة مع العدو الاسرائيلي، والأمر لا يقتصر على هذا، فوضعه الاقتصادي المتهالك أساساً منذ أربع سنوات، تزيده سوءاً وتيرة الأعمال القتالية في جنوب لبنان.

هذا الجو المتشائم بات يخيّم على معظم اللبنانيين ودفعهم الى تغيير نمط حياتهم، والتصرف كما وأن البلاد باتت في حالة حرب فعلية، ما انعكس بصورة سريعة على معظم القطاعات الاقتصادية في لبنان، لتؤثر سلباً على الاقتصاد.

كما وتجمع الآراء على أن دخول لبنان في حرب جديدة واسعة النطاق، ستكون له تداعيات كارثية على ما تبقى من الاقتصاد الوطني. فلبنان وفي وضعه الراهن، أضعف من أن يتحمل كلفة إعادة إعمار البنية التحتية في حال تعرضها لضرر، إذ إن الموارد المالية التي تمتلكها الدولة شحيحة وهي بالكاد تستطيع تأمين رواتب العاملين في القطاع العام.

باختصار، الوضع الاقتصادي في لبنان يتدهور بصورة دراماتيكية، من سيئ إلى أسوأ بعد بدء التصعيد في غزة والأحداث الدائرة في جنوب البلاد.

هذا في الاقتصاد، أما في السياسة فحدث ولا حرج، فبالكاد تم تمرير التمديد سنة لمن هم في رتب عماد ولواء، ومن بينهم قائد الجيش العماد جوزيف عون والمدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان، بحيث دخل هذا الموضوع في تجاذبات سياسية شاركت فيها دول كبرى، وبقيت تحت سقف شد الحبال بين مؤيد ومعارضة بارزة خصوصاً من جبران باسيل، إلى أن تم الأمر وأقر المجلس النيابي مشروع التمديد، بالتنسيق مع الكتل الأساسية، وباتفاق ضمني مع “حزب الله”.

وما إن مرَّ مشروع التمديد حتى عادت أجواء الخلاف بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير الدفاع موريس سليم، بعد لقاء المصالحة الذي عقد بينهما وانتهى بالاتفاق على إنجاز التعيينات العسكرية العالقة، وأبرزها في رئاسة الأركان، على أن يتم حسم الأمر قبل ١٥ كانون الثاني، وبعد أن صدر بيان رئاسة الحكومة في هذا الشأن، رفض الوزير ما جاء في البيان، وطالب بإبلاغ رئيس الحكومة أن الاتفاق قد نُسف.

ويبقى انتخاب رئيس للجمهورية يشغل بال اللبنانيين، بحيث من المفترض أن يرخي هذا الموضوع اذا ما حصل، ظلاله على كل القطاعات في البلد، وينقل عن الرئيس نبيه بري قوله: إن كل المعطيات تشير الى أن الملف الرئاسي يتقدم مجدداً في سلم أولويات المجتمعين الدولي والاقليمي بالتزامن مع التقدم في المفاوضات التي تجري من أجل التوصل الى وقف لاطلاق النار أو هدنة في قطاع غزة، وإن حسم موضوع الاستحقاق الرئاسي سيبدأ بعد عطلة الأعياد، وقد أصبح أولوية اقليمية وعلينا أن نعمل ليصبح الملف الرئاسي أولوية داخلية، من هنا يلاحظ أن الرهان على ما جرى من تحضيرات واتصالات قبل جلسة التمديد لقائد الجيش، يمكن أن ينسحب على الاتصالات والتحضيرات وعلى النتائج في ملف الاستحقاق الرئاسي، وهو ما أكد عليه رئيس مجلس النواب، من أن المساعي الخيرة والايجابية لإنهاء الشغور في موقع الرئاسة الأولى ستتكثف مع انطلاقة العام الجديد، مشيراً الى أن كلام رئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع عن استعداده للتفاهم على رئيس توافق يبنى عليه.

من هنا يرى كثيرون أن الوضع اللبناني المتعب من تداعيات الحرب على غزة، كما والاعتداء الاسرائيلي على جنوب لبنان، وبتدحرجات اقتصادية ونقدية، ما عاد يحتمل التسويف والمماطلة في الخروج من أزمة الرئاسة وعودة الانتظام العام الى المؤسسات الدستورية. كل هذه العوامل ستسهم بصورة ضاغطة في إنجاح المساعي التي يحضر لها الرئيس بري، علماً أنّ آلية التواصل والنقاش بين الفرقاء، لم تحدد بعد، فمن الممكن أن تكون حوارات جانبية وثنائية، أو طاولة حوار عامة وشاملة، لكن لا بد من أن تكون روحية التفاهم، التي مددت ولاية قائد الجيش، هي نفسها التي سترافق مساعي الخروج من النفق.

الرهان على الحلحلة في الملف الرئاسي ليس داخلياً وحسب، وإن كان حله مرتبطاً بتفاهم الأطراف اللبنانية على اسم مرشح، فالموضوع الرئاسي مطروح بقوة بعد عطلة الأعياد، بحيث تنطلق المشاورات والاتصالات الجدية والديبلوماسية، ومن المرجح أن يزور لبنان عدد من الموفدين الدوليين للقاء المسؤولين اللبنانيين من أجل بلورة تفاهم أو صيغة تفاهم للوصول الى انجاز الاستحقاق الرئاسي في أسرع وقت ممكن، ويجري الحديث عن أن هذه الاتصالات من الممكن أن تفضي الى عقد طاولة للحوار يتوقع أن تبدأ في النصف الأول من العام المقبل، لا سيما بعد الكلام عن اجتماع فرنسي – سعودي – قطري – أميركي للبحث في الشأن اللبناني.

ودائماً وفق المصادر، فإن السلة ستكون واحدة أي انجاز الاستحقاق الرئاسي وتشكيل حكومة بتفاهم الجميع حولها وأولهم المملكة العربية السعودية، ومن ثم اجراء الاصلاحات المالية والاقتصادية والانطلاق بلبنان تدريجاً نحو سكة الخلاص والخروج من المحنة التي يعانيها.

ويبقى السؤال الكبير، هل فعلاً سيكون العام الجديد عام حل بالنسبة الى لبنان مفتاحه انتخاب رئيس، أم أن الاجواء التفاؤلية التي يتحدثون عنها هي فقط من الضرورات الاحتفالية ينتهي مفعولها بنهاية الأعياد؟

من الضروري لا بل من المفروض أن يكون بث هذه الأجواء في البلاد صادقاً ومن الجميع، لأن من اللازم لا بل من الواجب على كل مسؤول أن يعي دوره الوطني ويقوم به، كي يتمولد لبنان من جديد.

شارك المقال