ماذا تحضّر “القوات اللبنانية” في مطلع سنة 2024؟

جورج حايك
جورج حايك

لطالما آمنت “القوات اللبنانية” بأن الحل في الملف الرئاسي ليس خارجياً، بل يحتاج إلى إرادة لبنانية بحتة، عبر مشاورات بين القوى السياسية الرئيسة، وهي بخلاف رأي كثيرين، اعتبرت أنه لا يجوز إنتظار الحرب بين اسرائيل و”حماس” وكل ما يحصل في المنطقة، لانتخاب رئيس للجمهورية يعيد الانتظام العام إلى الدولة ومؤسساتها، وينقذ لبنان من الغرق في أزمات المنطقة ويعمل على النهوض بالاقتصاد اللبناني المنهار منذ العام 2019.

لا يختلف إثنان على أن “القوات” كانت لها اليد الطولى في عملية التمديد لقائد الجيش العماد جوزيف عون، ويبدو أنها خلقت دينامية لافتة من خلال مشاوراتها مع رئيس المجلس النيابي نبيه بري الذي أبدى مرونة وأعاد التوازن نسبياً إلى البرلمان. وتلفت مصادر “القوات” إلى أنها لم تكن الوحيدة في تحقيق هذا الانجاز، إنما تقاطعت مع القوى السياسية والكتل النيابية، وتضافر جهود هذه القوى كسر كل الحواجز وفعل فعله بالتوازي مع دور ناشط للبطريرك الماروني مار بشارة بطرس الراعي على الخط نفسه، وليس سراً أن التنسيق بين البطريرك ورئيس “القوات” سمير جعجع لم يتوقّف، حتى وصول التمديد إلى برّ الأمان.

وتوضح مصادر “القوات” أن أي توافق على الرئيس يحتاج إلى نيّات صافية من الطرف الآخر، ولا شك في أن الرئيس بري هو الجهة التي يُمكن الرهان عليها في ظلّ تصلّب “الحزب” وربما لامبالاته بالانتخابات الرئاسية في الوقت الحاضر إذا صحّ التعبير، إذ “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة” بالنسبة إليه. ولا أحد ينكر أن “الحزب” لم يولِ مسألة التمديد لقائد الجيش أهمية كبيرة، ولم يبذل جهداً لمنع ذلك.

لذلك صممت “القوات” على أن تستفيد من الأجواء الايجابية التي انبثقت عن معركة التمديد لقائد الجيش، والاتجاه في بداية السنة هو لاطلاق مبادرة تكون آليتها الانفتاح على الرئيس بري أكثر والتواصل مع كل القوى السياسية المعارضة وغيرها عبر لقاءات علنيّة وغير علنيّة تؤدي إلى إنضاج تفاهمات في الملف الرئاسي.

وغالباً ما كانت “القوات” تدعو إلى هذا النوع من الحوارات لانتخاب رئيس وتقدّم نموذجاً حياً هو انتخاب رئيس مجلس النواب الأميركي بعد 15 جولة تصويت تخللتها مشاورات مكثفة، فإن البروفا العسكرية هي التي يجب أن تنسحب على الرئاسية، بمعنى أنّ التجربة التي قدِّمت واختبرت في كيفية إنضاج الحلول والتفاهمات وبلورة التقاطعات في ظلّ حركة مكثفة واتصالات لا تهدأ يجب أن تكون القاعدة الأساسية لتوليد الاستحقاقات.

وتشير مصادر “القوات” إلى أن حوارات الطاولة المستديرة الاستعراضية ليست سوى مضيعة للوقت، بل الهدف منها شراء الوقت بسبب رفض انتخاب رئيس الجمهورية في هذا التوقيت، وأما إذا كانت هناك إرادة لانتخاب رئيس فيجب استنساخ تجربة التمديد العسكري رئاسيّاً.

ونسأل ماذا لو أصر الفريق الممانع على الحوار التقليدي؟ تجيب المصادر: لدينا معطيات أن هناك أجواء مختلفة ولا يجوز استحضار عناوين تؤخّر ولا تقدِّم؛ فذلك يعني بوضوح شديد وتام أن لا إرادة بانتخاب رئيس.

تحرّك “القوات” يأتي بمثابة ردّ على منتقديها بأنها سلبيّة ومقفلة على نفسها. وترى المصادر أن “القوات” فاجأت الجميع بإنفتاحها في معركة التمديد العسكري، فهناك من كان يراهن على موقفها الرافض للتشريع من أجل إسقاط التمديد وإدخال المؤسسة العسكرية في مرحلة من انعدام الوزن والتوازن، إنما أظهرت من خلال تقاطعها مع أطراف في الجهة المقابلة أنها من اللاعبين السياسيين الأساسيين وتفاجئ أخصامها بخطوات تربكهم وتُسقط مشاريعهم.

وتؤكد المصادر أنه لا يمكن اتهامها بأنّها تُقفل الأبواب على نفسها، وما ينطبق على التمديد العسكري ينسحب على ملف الانتخابات الرئاسية، وهذا ما يحضّره جعجع في بداية السنة من خلال الاتصالات الجانبية الهادئة، وهذا ليس تغييراً في موقف “القوات” إذ كانت دائماً تدعو إما إلى المنازلة الديموقراطية عن طريق دورة بجولات متتالية، وإما إلى إنضاج التوافق على مرشّح رئاسي من خلال المشاورات الجانبية المكثفة البعيدة من الأضواء وانتخابه في البرلمان.

وما بات واضحاً أن “القوات”، وفق المصادر، ستستنسخ الآلية أو المسار الذي أوصل إلى التمديد، وستبدأ باتصالات مع القوى السياسية الحليفة في إطار المعارضة لتوحيد المقاربة الرئاسية، ثم سيتحرّك تكتّل “الجمهورية القوية” بإتجاه الكتل الأخرى مثل “اللقاء الديموقراطي” و”الاعتدال”. أما بيضة القبان فستكون الرئيس بري الذي أعلن أنه “سيبدأ مطلع السنة الجديدة حركة مشاورات في مختلف الاتجاهات، في مبادرة جديدة له تهدف الى دفع الفرقاء السياسيين الى الاتفاق على انجاز الاستحقاق الرئاسي”، طالما أن الحوار الذي دعا إليه بري يشكل انقساماً، والمشاورات التي سيدعو إليها تشكل مطلباً عارماً.

وتعتبر مصادر “القوات” أن العلاقة بين جعجع وبري عادت إلى مجاريها، إلا أنها لم تؤكّد أن هناك لقاء قريباً بين الرجلين، إنما ستبقى الاتصالات مفتوحة عبر موفدين أو هاتفياً. ويبقى موقف “حزب الله” غير واضح، إلا أن خطورة الأوضاع التي يمر بها “الحزب” والضغوط التي تمارس عليه، ربما قد تليّن من إتجاهاته الرئاسية، وعلى الأقل، البدء بالنزول عن الشجرة والتراجع عن دعم ترشيح رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية.

ختاماً، تبدو “القوات” مقتنعة بأن عدم الانتخاب مرده إلى إرادة الفرض الموجودة وأن الوقت إما سيدفع القوى إلى مراجعة حساباتها وتليين موقفها لانتخاب رئيس، أو التعنّت بإنتظار التطورات الاقليمية واستمرار الشغور حتى إشعار آخر.

شارك المقال