الشيخ خليل الميس… غاب وترك باب الأمل مفتوحاً

راما الجراح

رحَلَ صاحب السماحة مفتي زحلة والبقاع العلامة الشيخ خليل الميس، ترجل الفارس عن صهوة جواده، وشدَّ الرحال لسفر طويل لا محالة، سيفتقده لبنان وبقاعه تحديداً، ترك أثره الكبير في الخير والمحبة فكيف يمكن نسيانه؟

 شارك الناس همومها وأمورها الحياتية، وقدم لها نصائح الفضيلة، مكتبه كان مقصَداً لكل طالبٍ تتلمَذ على يديه، ولكل طالبِ علمٍ أو حديثٍ أو استفسار، لم يوصد بابه مرة أمام أحد، كان أملاً في هذا الوطن، غاب الأمل عنا وترك لنا باب. 

كان صانع قرار بكل معنى الكلمة في جميع القضايا الاجتماعية والسياسية والأمنية، بحنكة وصلابة شق طريقه، وشاب وضعف جسده وبقي شاباً بعطائه، قوياً بمواقفه، نسراً جارحاً في قول كلمة الحق.

ولد المفتي الميس عام ١٩٤١ في بلدة مكسة البقاعية، وكان الإبن الأصغر سناً لمختار البلدة محي الدين الميس الذي حرص على تدريس إبنه العلوم الشرعية منذ الصغر في مدارس قب الياس إلى أن نال الشهادة الثانوية في لبنان وأكمل تعليمه في الأزهر الشريف في مصر حتى نال درجة الماجستير في الفقة المقارن من جامعة الأزهر في القاهرة ومنذ عودته إلى لبنان عام ١٩٧٢، لمع نجمه وعيّن عضواً في المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى عام ١٩٧٥.

تدرج في المناصب من العضوية إلى إدارة أزهر لبنان بعد تأسيسه أزهر البقاع في عهد المفتي الشيخ حسن خالد والذي يعتبر أكبر مؤسسة علمية شرعية في لبنان، وجعله امتداداً للأزهر الشريف في مصر ليكون منارة للثقافة الإسلامية في لبنان، وفي العام نفسه ١٩٨٥ تم تعيينه مفتياً عاماً على زحلة ومحافظة البقاع.

إقرأ أيضاً: صحة اللبنانيين في مهب التهريب والدولار

مثل لبنان في مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي بجدة، وهو أستاذ محاضر في كلية الشريعة الإسلامية في بيروت، كما شغل منصب أستاذ محاضر في المعهد العالي للدراسات الإسلامية التابع لجمعية المقاصد الخيرية الإسلامية، وكان مشرفاً على رسائل الماجستير بالفقه المقارن في كل من جامعة بيروت الإسلامية والمعهد العالي للدراسات الإسلامية، وقد شارك في العديد من المؤتمرات العلمية المتخصصة في بلدان عربية وإسلامية، بالإضافة للعديد من المحاضرات والندوات، وكتب عدداً من الكتب المهمة في الفقه الحنفي بالإضافة إلى العديد من الأبحاث العلمية (الفقهية والفكرية). 

مهما حاولنا نسج الحروف لن نوفيه حقه، وإذا أردنا تفصيل مسيرته العلمية والحياتية نحتاج إلى مجلدات، فليس سهلاً أن يكون المرء عالماً، وليست صدفةً أن تخرج من أرض لبنان هذه القامة الكبيرة، لعل الله بعث به ليضمد جراحنا شيئاً فشيئاً ويخفف عنا ثِقل حملنا، وشاء الله أن يسلّم الروح في أصعب الأوقات التي تمر بها البلاد وحاجتنا الكبيرة لحنكته، لعلّها إشارة إلهية تُثبت أنه لن يمُر عهدٌ مُر بعد كل هذا المُر الذي يصيبنا.

في النهاية، سماحة المفتي خليل الميس ظاهرةٌ لن تتكرر في وقتٍ قريب.

شارك المقال