امتناع إيران عن الرد خوف أم صبر استراتيجي؟

جورج حايك
جورج حايك

لا تنفصل عملية إغتيال القيادي في الحرس الثوري الايراني رضا الموسوي في سوريا عما يجري من مواجهات بين اسرائيل من جهة و”حماس” و”حزب الله” وراعيتهما الايرانية من جهة أخرى. ولا شك في أن هذه العملية جرت بعد تخطيط طويل وكان توقيتها رسالة بحد ذاتها، إلا أن رد الفعل الايراني لم يكن مفاجئاً بالتهديد والوعيد من وزير الخارجية الايراني حسين أمير عبد اللهيان لاسرائيل، فيما الحقيقة أنها ستحتفظ كالعادة بالرد في الزمان والمكان المناسبين، وهذا ما دأبت على فعله منذ اغتيال الولايات المتحدة الأميركية قائد “فيلق القدس” قاسم سليماني منذ 4 أعوام.

لم يكن الموسوي مسؤولاً عادياً في المنظومة العسكرية الايرانية، فهو يقيم في سوريا منذ أعوام عدة، ويشغل منصب ممثل قوات “فيلق القدس” هناك، وعمل خلال الحرب كقناة للنقل اللوجيستي والمال لقوات الحرس. وكان مقرباً من سليماني والأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله.

بذلك، تكون ايران قد تلقت، من خلال استهداف اسرائيل للموسوي، ضربة موجعة، علماً أن اسرائيل لم تنف أو تؤكّد قيامها بهذه العملية. مع ذلك، تبدو العملية مقصودة في توقيتها وجرت عن سابق تصوّر وتصميم. ولا تحتاج إسرائيل، الى إصدار بيان رسمي لتبني المسؤولية عن اغتيال الضباط والعلماء الايرانيين، على الرغم من أن مثل هذه العمليات تشكّل أخباراً عاجلة لدى معظم وسائل الاعلام الاسرائيلية، بوصفها “إنجازاً” لجهاز الموساد، الذي دأب على تنفيذ عملياته في الاغتيال والتصفية تحت ساتر من التعتيم والغموض.

ولا يختلف اثنان على أن اغتيال الموسوي لا ينفصل عن العمليات العسكرية التي تشهدها غزة والبحر الأحمر وتدخل في نطاق الصراع الاسرائيلي – الايراني، لكن سيبقى السؤال: هل ترد إيران على العملية؟ يجيب الباحث في شؤون الأمن والدفاع رياض قهوجي: “الاستراتيجية الايرانية تقوم على انتظار الوقت المناسب للرد، وليس عن طريق إيران مباشرة انما عبر أذرعها العسكرية مثل حزب الله والحوثيين والحشد العراقي، وهذا أمر قائم منذ أعوام ولن يتغيّر بعد اغتيال الموسوي”. ويلفت قهوجي إلى أن ايران لا تريد التورّط في حرب مباشرة مع اسرائيل أو الولايات المتحدة الأميركية، ويبدو أن لديها خشية كبيرة من أن اسرائيل تحاول أن تستدرجها و”حزب الله” إلى مواجهة مباشرة، وتلزم الولايات المتحدة المشاركة فيها. ويدخل اغتيال الموسوي في هذا الاطار، وخصوصاً أنه يتمتع بمكانة كبيرة في الهرمية العسكرية الايرانية ودوره فاعل في سوريا إذ يقود النشاطات العسكرية الايرانية هناك ويتولى التنسيق مع “حزب الله” في لبنان.

وليس سراً أن اسرائيل قامت بهذا الاغتيال بعد استقصاء استخباراتي طويل، إلا أنها لم تقم به في وقت سابق، وفق قهوجي، لأنه لم تكن لديها مصلحة في الدخول بمواجهة عسكرية مباشرة، إلا أن الأمر اليوم قد اختلف، وترغب حكومة الحرب الاسرائيلية في توسيع الحرب نحو الجبهة الشمالية، وما يمنعها هو الضغط الأميركي، لذلك تقوم بعمليات استفزازية كي تدفع “الحزب” ليرد على نحو كبير، فتبرر بذلك توسيع العمليات في الجبهة الشمالية.

في المقابل، فهمت ايران و”الحزب” الرسالة، ويشير قهوجي إلى أنهما لن يحققا ما تريده اسرائيل من خلال ضبط النفس وما يسمّى الصبر الاستراتيجي، فيحتفظان بالرد في الزمان والمكان المناسبين، ولن يقوما بأي عملية إلا عندما يريا الأمور في مصلحتهما وليست لمصلحة اسرائيل.

من جهة أخرى، لن تسمح إيران باستدراجها في الوقت الحاضر الى أي حرب، عموماً، في ظل جولاتها التفاوضية مع الولايات المتحدة على وجه الخصوص، وهي تعمل بصبر لتحقيق مكاسب عبر مفاوضاتها مع واشنطن تماماً كما يعمل ناسج السجاد الصبور في تبريز وكاشان وأصفهان.

واللافت أن تصفية القادة الايرانيين الكبار في سوريا، يكشف أسباب استهداف اسرائيل لمواقع عسكرية في سوريا وخصوصاً أن النظام السوري لا سيادة له على أرضه وهو يسلّم بالوجود الايراني المباشر، لا بل يسلّم بخسارة المنطقة الأكثر استراتيجية في النزاع العربي – الاسرائيلي، وهي الجولان، لمصلحة إيران. وقد سبق لمحور الممانعة أن فقد المسؤول العسكري في “حزب الله” عماد مغنية في سوريا عام 2008.

لكن ما يجدر ذكره أن عمليات اسرائيل لاغتيال المسؤولين الايرانيين لا تقتصر على سوريا، بل تحصل في قلب إيران، وغالباً ما قامت اسرائيل بإغتيال أفراد الحرس الثوري الايراني ممن قاتلوا في سوريا أو العراق، أو من قيادات الصف الأول في الحرس الثوري، أبرزهم العقيد حسن صياد خدايي، وهي من أكبر عمليات الاغتيال بعد اغتيال كبير العلماء النوويين محسن فخري زاده، في تشرين الثاني 2020، قرب طهران، في اختراق أمني غير مسبوق. ولا شك في أن العملية الأميركية التي قضت بإغتيال قاسم سليماني في العراق كانت الأكثر ضخامة وخسارة لإيران. ومنذ ذلك الوقت، لم تنجح إيران في الرد على أي عملية اغتيال لقادتها الكبار.

ويعترف الخبراء العسكريون العالميون بأن الاغتيال أهم أداة حيوية في ترسانة إسرائيل، ولديها باع طويل في التنفيذ، ومن الواضح أن سياسة الاغتيال زرعت الرعب في إيران ولا تزال.

شارك المقال