كيف نجا لبنان في 2023؟

محمد شمس الدين

عام 2023 لم يكن سهلاً على لبنان، حيث انعكس الفراغ الرئاسي سلباً على شتى قطاعات الدولة، لا سيما الاقتصاد، بعدما تخطى سعر الصرف في آذار الماضي حاجز الـ 140 ألف ليرة قبل أن يبدأ بالتراجع، ليثبت في تموز على سعر الصرف الحالي. الأمر هذا انعكس على العاملين في القطاعين الخاص والعام، الذين فقدوا المزيد من قدرتهم الشرائية خلال 2023.

بالاضافة إلى ذلك، تمدد الفراغ إلى المؤسسات الأمنية والمالية، أو على الأقل أصبح العمل فيها بالانابة. وفوق كل ذلك جو سياسي مشحون مليء بالخلافات التي اتخذت منحى طائفياً في الكثير من الأحيان، عدا عن الاشكالات المتنقلة من خلدة إلى الكحالة. ولم يكن ينقص لبنان إلا “الحرب المضبوطة” على حدوده التي تتصاعد وتيرتها كل يوم أكثر وأكثر.

ولكن على الرغم من كل المصائب، البلد صامد، بل يمكن اعتباره مستقراً نسبياً، إن من حيث الفلتان الأمني، أو الانهيار الاقتصادي، فكيف ذلك؟ علماً أن العديد من المسؤولين الدوليين كانوا يحذرون طيلة العام من قرب انهيار البلد، أو أن الوقت يكاد ينفد.

البلد مستمر في تماسكه على الرغم من كل ما يحل به ويعود ذلك الى رغبة غالبية القوى السياسية في المحافظة على أدنى حد من الاستقرار، وفق ما يرى مصدر سياسي مخضرم في حديث لموقع “لبنان الكبير”، مشيراً إلى أن “هناك اتفاقاً ضمنياً بين الأطياف على حد أقصى في الخطاب السياسي كون البلد لا يحتمل انفجار شارع مقابل شارع، والمحوران في البلد لكل منهما شارعه، لذلك يمكن القول ان هناك نوعاً من الاتفاق على عدم تأزيم الأجواء وشحنها ومعالجة أي خلاف ينشب في أسرع وقت ممكن عبر الوسطاء، كي لا يتطور إلى مشاحنات في المناطق”.

ويلفت المصدر إلى أن الوضع الأمني، على الرغم من وجود عمليات سرقات وتشليح، جيد عموماً، ولا يشهد البلد تطوراً في الاشكالات كالتي حصلت في خلدة أو الكحالة، وذلك يعود إلى مبادرات مستعجلة للعقلاء في البلد.

أما في الشق الاقتصادي، فيعزو الخبير الاقتصادي د. نسيب غبريل في حديث لموقع “لبنان الكبير” الاستقرار الاقتصادي الذي يعيشه البلد إلى أداء القطاع الخاص، الذي استطاع أن يستوعب التداعيات من الأزمة الاقتصادية.

ويشير غبريل إلى أن “الشركات أخذت اجراءات لمواكبة الأزمة، البعض منها خرج من السوق، والبعض الأخر اندمج مع شركات أخرى أو اشتراها، فيما هناك من أعاد تموضعه وفتح في الأسواق في الخارج، وقد ساعدهم انتفاء الديون المصرفية عليهم، بحيث سددوا ديونهم في جزء بسيط من قيمتها الحقيقية بالدولار، وبما أن الاقتصاد أصبح مدولراً ساعد هذا الأمر الشركات والقطاع الخاص أن يستمروا، بحيث حسنت الشركات رواتب موظفيها الأمر الذي أدى الى تحسن القدرة الشرائية لنسبة معينة من اللبنانيين، وهذا الأمر ظهر في نسبة الاستهلاك”.

أما عن سعر الصرف، فالسبب الأساس لاستقراره هو أن مصرف لبنان قضى بسحب 25 تريليون ليرة من الكتلة النقدية في السوق بين تشرين الأول 2022 وتشرين الأول 2023 يقول غبريل، “وهو يدفع رواتب القطاع العام بالدولار، ما أدى الى عدم وجود طلب على الدولار، وبما أن الاقتصاد أصبح مدولراً أصبح أسهل أن تجد كتلة كبيرة من الدولار في السوق أكثر من كتلة بالليرة اللبنانية، بالاضافة إلى ذلك هناك شركات تبيع دولاراتها كي تغطي ضرائبها، وهذا يؤدي إلى ضخ كميات من الدولار في السوق، عدا أن الصيارفة الكبار توقفوا عن المضاربة على سعر الصرف، بسبب خفض هامش الفرق بصورة كبيرة بين صيرفة وسعر السوق الموازية، ولذلك لا يستطيعون التأثير في سعر الصرف كما من قبل”.

إذاً، بين النوايا السياسية والاجراءات الاقتصادية، تمكن لبنان من الحصول على استقرار نسبي نوعاً ما، ولكن هذا لا يعني أن على المسؤولين النوم على حرير، فهذا الاستقرار يمكن ضربه في أي لحظة، لا سيما مع التطورات في المنطقة، ولذلك لا بد من المسارعة إلى انتظام عمل الدولة، بداية بانتخاب رئيس للجمهورية، الأمر الذي وحده ينعكس على كل المؤسسات.

شارك المقال