جردة حساب للخلافات العونية 2023… “جبران ما خلا إلو صاحب”

آية المصري
آية المصري

اعتاد المرء قبل توديع العام أن يقوم بجردة حساب لميزانيته، مدخوله، مواقفه وأبرز انجازاته طيلة الـ365 يوماً التي عاشها، ولكن في بلدنا اذا أردنا القيام بجردة حساب فيجب أن نبدأ بالخلافات والسجالات التي حصلت، ويحتل المرتبة الأولى فيها “التيار الوطني الحر” ورئيسه جبران باسيل، إن كان داخل التيار نفسه أو مع غالبية الكتل، لذا يصح التعبير أن “التيار ما خلا الو صاحب” في العام 2023. وأما أولى هذه الخلافات فكانت داخل التيار عندما حاول بعض النواب المنتمين اليه أن يغردوا خارج السرب، أو الحلم الماروني الذي يسعى اليه باسيل، الأمر الذي لم يعجب الأخير فجاء بعمه الرئيس السابق ميشال عون كي يؤدبهم عبر “رصهم” داخلياً، بقوله: “النظام الداخلي للتيار يقول بأن من يريد الترشح للرئاسة عليه أن يكون رئيس التيار أولاً وأن يرشح نفسه لرئاسة التيار”، وبهذه العبارة قطع الأمل لدى من يفكر في الترشح. هذه التهديدات المبطنة تؤكد أن التيار قادر على الاستغناء عمن يخالف أوامر باسيل، وهذا ما حدث مع النائبين زياد أسود وماريو عون في العام 2022.

ونتيجة هذه الانقسامات الداخلية، بات بين 5 الى 6 نواب في حلف ضمني مع بعضهم البعض، وهم لا ينسجمون مع جبران الذي يستخدم أسلوب الفوقية معهم، وهذا ما تُرجم في جلسة 14 حزيران الرئاسية عندما غرّد خارج السرب بعض نواب التيار عبر رفض التصويت لصالح التقاطع مع المعارضة على خيار الوزير السابق جهاد أزعور. ومع استمرار التشرذم داخل هذا التيار جاء فصل نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب من التيار، بأسلوب غير متوقع. وأمام كل هذه الخلافات كانت واضحة الكذبة “الديموقراطية” التي ربجها جبران من خلال تزكيته لرئاسة التيار مرة أخرى.

هذه الخلافات الداخلية ليست سوى نقطة في بحر خلافات باسيل، الذي “مشكلها” مع حليفه السابق وولي نعمته “حزب الله”، الذي لطالما شكل رافعة إنتخابية له ولنوابه. فبعدما اهتز تفاهم مار مخايل بينهما في العام 2022 وأراد التيار اعادة النظر في غالبية بنوده وتنظيمه، وتحميل باسيل الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله مسؤولية ما يحدث من خلال تسميّة “الوعد غير الصادق”، طالت السجالات بين التيار والحزب وكثرت نتيجة حضور وزراء الأخير جلسات حكومة تصريف الأعمال وإصرارهم على مرشحهم رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية، وهذا ما أغضب جبران الذي قال: “يريدون تنفيذ إصلاحات، لكنهم في الوقت نفسه يريدون الإتيان برئيس فاسد”.

ولم يكتف جبران بكل ما فعله حتى أقدم على وضع جملة شروط على “حزب الله” من خلال اللامركزية المالية والادارية، والصندوق الائتماني، وباتت المبارزة مع حليفه علناً عبر وسائل الاعلام، بينما الحزب تجنب الحديث عن التيار اعلامياً، وقام بانشاء لجنة مشتركة من الطرفين تجتمع في كل مرة تحت هدف اعادة ترميم العلاقة بينهما ومناقشة هذه الشروط، مع العلم أن جبران لا يزال مصراً على موقفه الرافض جملةً وتفصيلاً لخيار السير بفرنجية.

أمنياً، لم تسلم الجرة مع باسيل ووزرائه، وهذه المرة عبر وزير الداخلية والبلديات التابع له بسام مولوي الحالم برئاسة الحكومة ولو بعد حين، عندما سرّبت معطيات من الداخلية تفيد بأن مولوي أعطى الاذن بملاحقة المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان في جميع القضايا المرفوعة ضده أمام القضاءين العدلي والعسكري.

ومن ينسى الخلاف الذي احتل الصدارة ولم يتعدَّ الشهر، من خلال معارك جبران الدامية والرافضة للتمديد لقائد الجيش جوزيف عون، ما جعل هوس باسيل بالرئاسة صعبة المنال ينعكس على المؤسسات كافة، وبالتالي لم تسلم منه المؤسسة العسكرية نتيجة كرهه وحقده الأعمى على القائد عون بسبب حسابات ضيقة وخاصة سابقة. وبعدما عزمت “القوات اللبنانية” الى جانب المعارضة على العمل من أجل نجاح هذا التمديد، شنّ جبران حرباً شعواء عليها، معتبراً أنها تنقلب على مواقفها من وجوب عدم حضور أي جلسة تشريعية الى قيامها بتقديم اقتراح قانون التمديد والاعلان عن حضورها جلسة من عشرات البنود غير الضرورية، “ليتيقن الرأي العام الى أي مدى هي غب الطلب للقوى الخارجية وتستجيب لطلباتها سواء كانت سفيراً أميركياً أو موفداً فرنسياً، لا فرق”.

واستمرت حرب السجالات والبيانات الرسمية بين الطرفين، وسرعان ما ذكرت “القوات” التيار بأن لولا موافقة رئيسه على التمديد لصالح البلديات لكانت حصلت الانتخابات في موعدها، خصوصاً وأن وزارة الداخلية أعلنت جهوزيتها الكاملة حينها، مع العلم أن التيار لا يزال مستمراً في قراره حول التقدم بطعن بهذا التمديد.

كما كانت لحرب البيانات بين باسيل ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الحصة الأكبر في العام 2023، وهذا ليس بجديد على عهد اشتهر فيه عمه بمحاولاته المستمرة لضرب موقع رئاسة الحكومة عن طريق الكيديات والمطبات التي ينصبها له.

ولفتت قصة شارة الصليب الأنظار، بحيث نفى باسيل ما قاله ميقاتي من أن رئيس التيار أجابه عندما أبلغه أن سبعة من أصل 12 وزيراً مسيحياً في حكومته يشاركون في جلسات حكومة تصريف الأعمال بالقول: “ليس كل من رسم شارة الصليب على وجهه مسيحياً”. ورد ميقاتي على الكلام مستغرباً نفي باسيل أن يكون قال هذه العبارة، خلال اللقاء الذي جمعهما بعد أول جلسة لمجلس الوزراء.

وعاد التيار الى الرد على ميقاتي ببيان لاحق سخر فيه منه بقوله انه “معروف بصدقه ومصداقيته”، معتبراً أن ميقاتي “دأب مؤخراً على اعتماد وسيلة جديدة إثباتاً لهذا الصدق، وذلك عبر تحريف لا بل تزوير ما يجري معه من أحاديث في لقاءات خاصة، شأنه في ذلك ما يقوم به مؤخراً بإصدار المراسيم المتلاعب بها”.

وهكذا استمرت “حرب النجوم” بين الجانبين، ليرد مرة جديدة المكتب الاعلامي لميقاتي متهماً “التيار الوطني الحر” بـ”قلب الوقائع ونفي ما هو حقيقة”.

ولم يسلم ملف اللاجئين السوريين من باسيل بحيث اعتبرهم يهددون وجود لبنان. وعلى خلفية موضوع النزوح هذا وتشكيل لجنة وزراية للذهاب الى سوريا اشتد الخلاف بين وزير الخارجية عبد الله بو حبيب المحسوب على التيار ووزير المهجرين عصام شرف الدين، بحيث قال الأول: “مش رح شيل الزير من البير” في حال ذهابه الى سوريا، ناصحاً شرف الدين بـ”تخفيف الحكي”. وهكذا دواليك تستمر الخلافات يوماً بعد يوم بين التيار ووزرائه من جهة والقوى السياسية الأخرى من جهة ثانية.

واذا أردنا متابعة سرد الخلافات العونية للعام 2023 فلن ننتهي منها لأن أبطالها يعشقون السجالات وافتعال المشكلات و”السلبطة” على الجميع، ويبدو أنها ستستمر معهم في العام المقبل، على أمل أن يخففوا منها والعمل على إفادة المجتمع اللبناني بالأفعال لا بالأقوال.

شارك المقال