فخامة الناشط باسيل

عالية منصور

لا يمر شهر من دون أن يطل علينا الناشط السياسي جبران باسيل، إما بمؤتمر صحافي أو مقابلة تلفزيونية، يتحدث خلالها عن نضاله بوجه المنظومة الحاكمة، وعن محاولات القوى السياسية مجتمعة إفشال مشروعه الإصلاحي.

جبران باسيل الذي يريد اقناع اللبنانيين أنه رجل عصامي، إلى جانب “نضاله” حققت شركته الهندسية ملايين الدولارات، وصار من أصحاب العقارات والأموال.

يحاول جبران باسيل الايحاء أن زواجه من ابنة ميشال عون لا علاقة له بما وصل إليه، لا مادياً ولا سياسياً.

عندما كان يحاضر عن محاربة الفساد في مؤتمر دافوس سُئل كيف وصل إلى المؤتمر، فأجاب بطائرة خاصة أهداها له صديقه، فوفقاً للناشط باسيل هذا الأمر لا يعتبر فساداً بل قمة النزاهة والشفافية.

قبل أيام سألته صحافية أجنبية وهو يتحدث عن مساوئ الطبقة الحاكمة وفسادها الذي يريد محاربته، لماذا إذن وضعت الولايات المتحدة عقوبات عليه تتعلق بالفساد، فأجاب أن السبب علاقته بحزب الله كمكون أساسي من الشعب اللبناني. لا أعرف إن كان باسيل حقاً يصدق ما يقوله.

الأمثلة عن الانفصام الذي يعاني منه باسيل لا يمكن ذكرها بمقال، وقد يحتاج المرء إلى كتاب أو أكثر يجمع فيه مقولات باسيل هذه وتصرفاته. 

باسيل الذي تسبب خدمة لحزب الله، بخراب علاقات لبنان العربية، تسبب قبل ذلك بخراب علاقة اللبنانيين ببعضهم بسبب خطابه الطائفي، حتى يشعر المرء أن لا مانع لديه من أن يشعل حرباً اهلية خدمة لمشروعه الأوحد وهو “السلطة” والوصول إلى كرسي الرئاسة.

باسيل ومن بعده مستشاروه الذين اصبحوا برتبة وزراء، الذين تسببوا بالعتمة التي يعيشها لبنان، لا يشعر هو وهم بأي خجل من رمي الاتهامات شرقاً وغرباً على الآخرين، فالجميع فاسد ووحده باسيل وأتباعه معصومون ومظلومون، وسبب العتمة هو أن الآخرين “ما خلّوهم” يشتغلوا.

صحيح أن قسماً لا بأس به من اللبنانيين يجمعون على كراهية باسيل، ولكن قوة باسيل لم تأتِ من فراغ، ولم تأتِ فقط لأن حزب الله داعم له، فقد سبق ودعم حزب الله الكثير من الشخصيات ولم “تتفرعن” كما تفرعن باسيل.

إقرأ أيضاً: جريصاتي وباسيل يهددان التأليف وميقاتي يمهل نفسه شهراً

قد يكون خطاب باسيل هو الأكثر جرأة ووضوحاً، إن لم نقل وقاحة، ولكن للأسف هذا الخطاب يمثل جزءاً من اللبنانيين، خطاب كراهية الآخر وإلقاء اللوم على الآخر، خطاب بعض الاحزاب المشاركة في الحياة السياسية منذ ما قبل الحرب الأهلية أو خلالها، ومع ذلك تخرج كل الوقت على اللبنانيين بخطابات رفض “المنظومة الحاكمة”، محملة إياها مسؤولية الانهيار الحاصل، حتى يخال المرء وهو يستمع إليهم أنهم مجموعة من الناشطين والناشطات بدأت مسيرتهم السياسية في 17 تشرين الأول 2019.

جبران باسيل الوزير ورئيس أكبر كتلة نيابية صهر رئيس الجمهورية والحاكم بأمره، والذي لا يخجل من تحميل غيره المسؤولية من دون أن يملك بأي لحظة جرأة القول إنه أخطأ، واهم من يظن أنه لا يمثل إلا نفسه، فباسيل يمثل شريحة من اللبنانيين ومن لا يمثلهم باسيل استطاع باسيل جرهم إلى ملعبه، فصارت شاشات التلفزيون والبيانات السياسية والخطابات مليئة بالشعبوية والتحريض والطائفية والمزايدات تحت شعار “حماية حقوق الطائفة” مرة، واسترجاع هذه الحقوق “مرات”، وان استمر الخطاب السياسي وخصوصاً الخطاب السياسي المسيحي يتأرجح في المساحة التي رسمها باسيل، وما لم يصدر صوت جريء مسيحي يرفض هذا الاستغلال للمسيحيين كمواطنيين لبنانيين ويرفض وضعهم بخانة المهددين والخائفين، فلن تكون مفاجأة لكثيرين إن أدى هذا الخطاب وهذا الشحن إلى أن نسمع بعد عام ونيف أصواتاً باسم حقوق المسيحيين تطالب بباسيل رئيسا للجمهورية.

شارك المقال