سعد الحريري… علامة فارقة في زمن التوازن السلبي والعقم السياسي

عمر عبدالباقي

يشارف عام 2023 على نهايته مع استمرار الانحدار السياسي في لبنان، وسط تخبط الفرقاء السياسيين وغياب التوافق على حلحلة الأمور أو الوصول الى تسوية لصالح البلد بعيداً عن الحسابات الشخصية. هذا الأمر فاقمه غياب الرئيس سعد الحريري عن المشهد السياسي، والفراغ الكبير الذي خلّفه بما يمثل من اعتدال وتوازن وطني لم يستطع أحد ملئه، باعتراف الخصوم قبل الحلفاء.

في 24 كانون الثاني 2022 أعلن الحريري تعليقه وتيار “المستقبل” العمل السياسي، وجاءت الانتخابات النيابية بعد أشهر بصورة مختلفة عما اعتاده أنصار الحريري الذين أعلنوا بدورهم مقاطعتها. ونشارف على وداع سنة 2023 التي لم يكن للحريري أي وجود سياسي فيها منذ بداية دخوله المعترك السياسي في العام 2005.

درباس: الساحة السياسية فارغة لا أحد ملأها

الوزير السابق رشيد درباس يقول لـ “لبنان الكبير”: “عندما قمت بزيارته قبل إعلان تعليق العمل السياسي، أخبرنا الرئيس الحريري في ذلك الوقت أنه لن يكون قادراً على المشاركة في المعركة الانتخابية. ومع إعلان التعليق، فوجئت بتعليق العمل السياسي بصورة شاملة ومنع تيار المستقبل وجميع أعضائه من المشاركة في المعركة الانتخابية. وبالتالي، أصبحت الساحة السياسية فارغة ولم يتمكن أحد من ملئها. اعتقد بعض الناس أنه سيتمكن من الدخول إلى هذا المجال بعد تيار المستقبل، ولكنه لم ينجح. فالطائفة السنية معروفة بدورها الوطني بين الطوائف، ودورها الوطني يعتمد على وجود رئيس الحكومة مثل سعد الحريري الذي يكون المنسق والمخطط لأعمال الحكومة. وفي هذا العام، لم تكن هناك مرجعية حقيقية، فالجميع يحاول ملء الفراغ بمن يحضر، ورئيس الحكومة الحالي يبدو عم يدبر حاله بمن يحضر. وبسبب ذلك، لا يعرف الناس ما إذا كان للنواب موقف واحد أم عدة مواقف، وأحياناً تتم دعوتهم لتناول الغداء بصورة عشوائية من دون تحقيق إنجازات فعلية”.

وعما اذا كان يعتقد بعودة الحريري الى لمهام السياسية قريباً، يشير درباس الى أن لا معلومات مؤكدة حتى الآن عن هذا القرار، فهو تواصل مع شخصيات مقربة من الرئيس الحريري ولم يكن هناك جواب واضح بعد.

حاصباني: الحريري حالة سياسية وغيابه ترك فراغاً

على الرغم من اتفاق معراب والشرخ السياسي بين الحريري ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع، الا أن التصاريح تؤكد أن الحريري رقم صعب من الناحية الشعبوية السنية.

عضو كتلة “الجمهورية القوية” النائب غسان حاصباني يعتبر أن “دولة الرئيس سعد الحريري لم يغب كلياً عن الساحة اللبنانية، اذ كان موجوداً في ذكرى ١٤ شباط في بيروت وواكبه الكثر من محبيه وأصدقائه. ولكن على الرغم من ابتعاده شخصياً عن العمل السياسي، فالرئيس الحريري يمثل حالة في السياسة اللبنانية، ولديه الكثير من المناصرين الذين استمرّ نشاطهم ميدانياً ومن خلال مواقعهم في المؤسسات ومواقفهم تجاه الكيانات السياسية الأخرى والعمل الانتخابي. ومما لا شك فيه أن غيابه ترك فراغاً ولو في مرحلة ساد فيها الركود السياسي في لبنان تشبه مرحلة ٢٠١١ – ٢٠١٦”.

آلان عون: نفتقد قوة التمثيل والليونة والواقعية

مع الخلافات التي كانت تشهدها الساحة السياسية بين رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل والرئيس السابق ميشال عون وبين الرئيس سعد الحريري وآخرها كانت قبل اعتذاره عن تشكيل الحكومة عام 2021، يرى عضو تكتل “لبنان القوي” آلان عون أن “الرئيس سعد الحريري ترك فراغاً كبيراً على الساحة السياسية لم يستطع أحد أن يملأه في الانتخابات النيابية الأخيرة ما انعكس خللاً على المستوى الوطني، وكان لذلك أثر واضح في مختلف الأزمات بحيث كانت المعالجات ستختلف لو كانت للرئيس الحريري كتلة وازنة وكبيرة في مجلس النواب، ابتداءً من الأزمة الرئاسية وصولاً الى كل الاستحقاقات الأخيرة. فقدرة الرئيس الحريري على الاستيعاب والتطمين وتحلّيه بالحكمة وبشجاعة المبادرة والاقدام على التسويات، كلها صفات تجعل منه علامة فارقة في زمن التوازن السلبي والتعنّت والتصلّب والعقم الذي نعيشه حالياً”.

ويضيف عون: “لا شكّ في أنه غيابه مهما طال، فهو يبقى لما له من تمثيل شعبي وازن، حاجة وطنية في بلد ونظام سياسي قائمين على مبدأ التوافق ويحتاج استقرارهما الى زعماء يجمعون في الوقت نفسه قوة التمثيل والليونة والواقعية التي يتميّز بها الرئيس الحريري ونفتقدها كثيراً في دوائر القرار هذه الأيام”.

البعريني: خصومه يعترفون بقيمة نهجه قبل أحبابه

في الانتخابات النيابية عام 2022 التي كانت الأولى من دون التيار الأزرق، الذي امتنع نوابه عن الترشح للانتخابات تنفيذاً لقرار الحريري، قرر عضو تكتل “الاعتدال الوطني” النائب وليد البعريني المعروف أنه من نواب تيار “المستقبل” عن دائرة الشمال الأولى أن يبقى في الجو السياسي كنائب مستقل، بحسب ما يوضح لـ “لبنان الكبير”، قائلاً: “اليوم الكل يدرك قيمة هذا الرجل وقيمة النهج الذي سار عليه. هذا ما يعترف به خصوم الرئيس سعد الحريري قبل أحبابه، بالطبع ترك فراغاً لم يستطع أحد تعويضه إن كان على الصعيد الوطني أو على الصعيد السني”.

ورداً على سؤال عما اذا سيعود كعضو في تيار “المستقبل” في حال عودة الرئيس الحريري، يجيب البعريني: “أساساً في توجهنا وخياراتنا نحن لا نزال تحت مبادئ تيار المستقبل وشعاراته وقيمه نفسها، والنهج الذي اعتمده الرئيس سعد الحريري، فهذه قناعاتنا ومتى عاد الى العمل السياسي فهذا موقعنا الطبيعي الذي يتقاطع مع فكرنا وقناعاتنا، وعلى أي حال الأمور متروكة الى حينه”.

الصايغ: دوره الوطني كبير

حزب “الكتائب” كان في بعض الأماكن يعارض سياسة الحريري، ولكنه يعترف بأن له مكان سياسي مهم فقد في الساحة الحالية. ويقول عضو كتلة “الكتائب” النائب سليم الصايغ: “على الرغم من الاعتراض على مشاركته في التسوية الرئاسية التي أوصلت ميشال عون إلى الرئاسة الأولى، الا أن الحريري لعب دوراً وطنياً كبيراً، واقدامه على خطوته وقراره عدم المشاركة في الانتخابات جاء في سياق ما جرى بعد ثورة أكتوبر 2019 واستقالة حكومته وعدم قدرة المنظومة السياسية على الاستمرار”.

شارك المقال