ملف النزوح السوري ٢٠٢٣: استثمار سياسي وضغوط بلا حلول عملية

راما الجراح

شارف العام ٢٠٢٣ على الانتهاء وقضية النزوح السوري لا تزال دائمة الحضور في المشهد السياسي اللبناني، مع تصاعد الخطاب الشعبوي لدى بعض الأطراف السياسية منذ بداية الأزمة الاقتصادية عام ٢٠١٩ إلى اليوم، بين مطالب بعودتهم بعد استقرار الوضع الأمني في كثير من المناطق السورية، ورافض لتلك العودة قبل توفير “الضمانات” الأمنية لها، في محاولة للحد من تفاقم الأزمات الموجودة أساساً في لبنان قبل العام ٢٠١١، أي قبل النزوح السوري.

ويواجه لبنان أزمة اقتصادية واجتماعية غير مسبوقة في تاريخه المعاصر بات معها ٨٠٪ من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر. وتعتبر عدة أطراف سياسية وفي طليعتها “التيار الوطني الحر”، “القوات اللبنانية” و”الكتائب” أن أحد الأسباب الرئيسة لما يرزح تحته لبنان متصل بأعباء الأزمة السورية وتداعياتها، لا سيما النزوح السوري الكثيف إلى لبنان. في حين أعلنت وزارة الخارجية والمغتربين أن نسبة اللاجئين السوريين والفلسطينيين تخطت الـ٤٠ بالمئة من عدد السكان في لبنان.

ملف اللاجئين السوريين في لبنان أصبح مادةً إعلامية وإنسانية متفاعلة تغذّيها تطورات يومية وإجتماعات لا تُترجم حتى اللحظة حلاً عملياً على أرض الواقع. فبعد الاتفاق على تسليم مفوضية اللاجئين جميع بياناتهم إلى الدولة اللبنانية، هل ستُسرع هذه الخطوة عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم طوعاً أم ستُستغل المعلومات للاعادة القسرية؟

أمنياً، بعدما أعلن وزير الخارجية عبد الله بو حبيب التوصل إلى اتفاق مع مفوضية شؤون اللاجئين لتسليم “داتا” النازحين، ومع استمرار حملات مواجهة الدخول غير الشرعي للسوريين إلى لبنان، حذّرت قوى الأمن الداخلي من مافيات تستغل السوريين وإيهامهم بأنها تستطيع تأمين سفرهم إلى أوروبا، مشيرة الى عمليات خطف تطول أشخاصاً سوريين مقيمين على الأراضي اللبنانية من عصابات تستدرجهم إلى خارج الحدود اللبنانية من خلال حسابات وهمية على مواقع التواصل الاجتماعي، بحيث يتم إيهامهم بأن باستطاعتهم تأمين سفرهم من لبنان إلى دول أوروبية، إما عبر تهريبهم بطرق غير شرعية أو من خلال تأمين تأشيرات سفر إلى الخارج مقابل بدل مادي.

والنقطة الأصعب هي في الموجة الثانية لدخول نازحين غير شرعيين إلى لبنان، ففي الوقت الذي يسعى فيه لبنان إلى معالجة أزمة النزوح السوري، وإيجاد حلول لعودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم، يواجه موجة نزوح ثانية عبر المعابر غير الشرعية شكلت مصدر قلق لدى الأوساط السياسية والأمنية، بحيث لوحظ أن هؤلاء النازحين معظمهم من الشباب والمدربين عسكرياً، لذلك في هذه النقطة بالذات يمكن أن ينفلت الأمر على مخاطر أمنية، خصوصاً أن لبنان مستهدف أمنياً بعد الاستهداف المالي، السياسي والاقتصادي في ظل الحاجة الملحة الى وسائل العيش، ويمكن أن يشكل هؤلاء مادة دسمة للتجنيد من بعض الجهات، التي تريد المس بالأمن اللبناني بحسب خبراء عسكريين. وواجهت السلطات اللبنانية انتقدادات إثر تسليمها عشرات اللاجئين السوريين قسراً إلى نظام بشار الأسد، على الرغم من مخاوف تعرضهم للتعذيب والاضطهاد.

وترى الأمم المتحدة أن الوضع الأمني لم يستتب في سوريا إلى الآن، وتطلب من لبنان التريث بعدما تخطى عدد اللاجئين السوريين فيه حوالي المليوني لاجئ، بحسب السلطات اللبنانية.

وعُقدت هذا العام عدة اجتماعات في السراي برئاسة رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، لبحث جديد ملف النزوح السوري، بحضور وزير المهجرين عصام شرف الدين، المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء إلياس البيسري والأمين العام للمجلس الأعلى للدفاع اللواء محمد المصطفى، وبحثوا في آليات لردع دخول السوريين من بينها التشدد في مراقبة الحدود، التنسيق مع الهيئات المسؤولة في سوريا، والتنسيق مع الادارات المحلية في لبنان كالقائمقامين والمختارين ورؤساء البلديات في لبنان لتحمل مسؤولية أي شخص يستضيف أي نازح سوري غير قانوني، مع التحذير من فرض عقوبات على المخالفين.

في ظل كل هذه الأحداث والمعطيات التي شهدها العام ٢٠٢٣، تحول ملف اللاجئين إلى مجال استثمار سياسي من القوى السياسية، وأصبح استهداف اللاجئين وسيلة للتعبير عن “الوطنية” باعتبار أن الذين لا يشاركون في حملات الكراهية مشاركون في بيع لبنان، أو في تغيير خريطته الديموغرافية. وعكست الاجراءات الحكومية والمواقف السياسية اللبنانية الأخيرة، استنفاراً لبنانياً لمواجهة ملف اللاجئين السوريين، انخرطت فيه مختلف الجهات والقوى السياسية.

ومع الضغط الداخلي الذي يمارسه الفرقاء السياسيون مطالبين بالعمل على بدء إعادة السوريين إلى بلادهم مقابل رفض المجتمع الدولي الذي يرى أن هذه العودة ليست آمنة حتى الآن، بدأت المؤسسات الرسمية اللبنانية بخطوات عملية أعلن عنها وزير الداخلية بسام مولوي، بإعطائه الضوء الأخضر للبلديات للحد من الوجود غير الشرعي للاجئين تحت طائلة المحاسبة، بالتزامن مع تحذير وزارة الصناعة من توظيف عمال سوريين لا يملكون أوراقاً قانونية.

وتزامنت الاجراءات الحكومية، مع تصعيد سياسي طال هذه المرة، مفوضية شؤون اللاجئين، إذ أعلن عضو كتلة “الجمهورية القوية” النائب غياث يزبك عن التوجه الى توقيع عريضة نيابية تطالب بإقفال مكتب مفوضية شؤون اللاجئين في بيروت لأنه “أصبح مفوضية سامية للتسويق للاحتلال السوري المستجد” حسب وصفه.

كما يُعتبر رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل من أشرس المقاتلين في ما يخص ملف اللاجئين السوريين، ويعتبر أن وجودهم يهدد وجود لبنان. ولا يخفى على أحد الحملات العنصرية التي شنها “التيار” ضد السوريين خصوصاً هذا العام. وفي مقابل ارتفاع التوجهات العنصرية في أقصى اليمين، والذي يمثّله “التيار”، يُلاحظ خفوت الخطاب المعاكس لدى معظم التيارات الأخرى، بما فيها تلك التي تعادي النظام السوري، أو تلك التي تدافع عنه أو تحارب معه.

لا يبدو على المدى القريب أو المتوسط أن هناك حلولاً لأي من المعطيات المتعلقة بملف اللاجئين السوريين في لبنان ما لم يحصل تغيّر فعلي في الأسباب التي تمنعهم من العودة، وأهمها الضمانات الآمنة.

شارك المقال