ميدان الجنوب في 2023… تصعيد واستنفارات متواصلة وتخوف من حرب مدمرة

محمد شمس الدين

قبل أن تصبح أصوات القذائف وتحليق الطيران الحربي ترنيمة الصباح اليومية، وقبل أن تكون مشاهد الدخان المتصاعد من القرى تقليداً يومياً، بعد عملية “طوفان الأقصى”، لم تكن الحدود الجنوبية هادئة كل الوقت، لا سيما في السنة الأخيرة، حيث دأب المسؤولون الاسرائيليون خلالها على تهديد لبنان، وترديد عبارة “اعادة لبنان إلى العصر الحجري” على لسانهم طوال الوقت، فكيف كان الميدان الجنوبي خلال العام 2023؟

بدأت التهديدات الاسرائيلية في بداية السنة، وتحديداً في شهر شباط، اذ أعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أن “إسرائيل بعثت برسائل إلى حماس وميليشيا حزب الله بأنها مستعدة عسكرياً لأي عمل في غزة أو لبنان”.

وأتى حديث نتنياهو بعد سقوط قذيقة إسرائيلية من عيار 155 ملم، بصورة مفاجئة، على منزل قيد الانشاء في مزرعة وادي خنسا في قضاء حاصبيا، والتي تبعد 2 كلم من الحدود، شمال قرية العباسية، في منطقة القطاع الشرقي جنوباً، فيما أصابت ثلاث قذائف مدفعية أخرى حياً سكنياً، من دون أن يبلغ عن إصابات، فيما عاينت قوة من “اليونيفيل” مكان الاعتداء الاسرائيلي.

وفي الليلة نفسها إشتعلت المنطقة بالقنابل المضيئة بعيد منتصف الليل، حين كان الجيش الاسرائيلي يُجري تدريبات عسكرية في مزارع شبعا المحتلة ومرتفعات الجولان.

وفي منتصف آذار أعلنت اسرائيل أنها “قتلت شخصاً تسلل على ما يبدو من لبنان، بعد تفجيره عبوة ناسفة بالقرب من مفترق مجيدو قرب مدينة حيفا”.

وتفقد وزير الحرب يوآف غالانت وكبار قادة الجيش الاسرائيلي الحدود مع لبنان لتقويم الأوضاع الأمنية، وأعلن عن “منع عملية كبيرة وصعبة تحمل في طياتها ضرراً كبيراً، وأننا سنجد المكان والطريق المناسبين وسنوجه ضربة للمسؤولين”.

وأشارت صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية، تعليقاً على الحادثة، إلى أن “القنبلة المستخدمة تشبه القنابل التي استخدمها حزب الله لتفجير آليات إسرائيلية في لبنان، قبل الانسحاب الاسرائيلي، والتي كانت تزرع على جانب الطريق”.

ونقلت “القناة 14” الاسرائيلية عن رئيس هيئة الأركان في الجيش الاسرائيلي هرتسي هليفي، قوله: “ننظر إلى حزب الله ونفهم حاجتنا الى الاستعداد”. وأعلن ضرورة الاستعداد لحرب على جبهات عدة تشمل إيران.

وفي بداية شهر نيسان أطلق من لبنان عدد من الصواريخ باتجاه المستوطنات الشمالية في الاراضي المحتلة، بما اعتبر أنه رد على الاعتداءات التي كان يتعرض لها المسجد الأقصى في حينه، وسارع “حزب الله” في ذلك الوقت الى التنصل منها، ولبنان الرسمي إلى تأكيد التزامه القرار 1701، وأفيد بأن فصائل فلسطينية نفذت العملية، علماً أن التنظيمات الفلسطينية الكبرى تبرأت منها.

كما شهد نيسان نصب “حزب الله” خيمتين في مزارع شبعا المحتلة، وتسبب هذا الأمر في توتر بين لبنان واسرائيل، التي هددت بإزالة الخيمتين بالقوة، علماً أنها عملت على تشكيل ضغط ديبلوماسي على الولايات المتحدة الأميركية وفرنسا من أجل إخلاء الخيم.

وفي العاشر من حزيران شهدت بلدة كفرشوبا تصعيداً خطيراً بعد عدة أيام من التوترات، اثر أعمال الحفر التي أجراها العدو الاسرئيلي على أطراف البلدة. فقد تطورت الوقفة الاحتجاجية التي دعا إليها أبناء البلدة، الى رشق بالحجارة وإزالة أسلاك شائكة من جهة، واستنفارات وقنابل مسيلة للدموع من الجهة المقابلة، ما دفع الجيش اللبناني إلى تنفيذ انتشار لمواجهة أي تصعيد محتمل من العدو.

وفي 27 من الشهر نفسه أفاد الاعلام الحربي لـ “حزب الله” أن قواته أسقطت مسيّرة اسرائيلية اخترقت الأجواء اللبنانية في وادي العزية قرب زبقين الجنوبية، فيما أعلن الجيش الاسرائيلي أن مسيرة تابعة له سقطت في الأراضي اللبنانية أثناء قيامها بنشاط روتيني ولا خوف من تسرب معلومات.

بعدها بحوالي أسبوع سمعت أصوات انفجارات على الحدود، وقال المتحدث بإسم الجيش الاسرائيلي أفيخاي أدرعي عبر حسابه على “اكس”: “بعد متابعة للإنفجار بالقرب من قرية الغجر، وبعد تحقيق لقوات الجيش التي وصلت الى المكان، إتضح أنه تم إطلاق قذيفة من الأراضي اللبنانية إنفجرت بالقرب من الحدود داخل الأراضي الاسرائيلية، ورداً على ذلك، قام الجيش الاسرائيلي بمهاجمة منطقة الاطلاق داخل لبنان”. واستهدف القصف المدفعي الاسرائيلي في حينه خراج بلدة كفرشوبا ومزرعة حلتا.

وفي الذكرى الـ 17 لحرب تموز أصيب 3 شبان اقتربوا من السياج بعد أن أطلق عليهم الجيش الاسرائيلي النار.

ولاحقاً خلال الشهر، روّع الجيش الاسرائيلي الوفد الاعلامي الذي رافق النائب قاسم هاشم في جولة حدودية، من خلال استهدافه بقنابل صوتية ودخانية، بالاضافة إلى إطلاق النار في الهواء.

وفي منتصف أيلول اتهم وزير الحرب الاسرائيلي إيران بإنشاء مطار في جنوب لبنان لإتاحة شن هجمات على إسرائيل. وعرض غالانت في مؤتمر أمني دولي استضافته جامعة رايتشمان، صوراً جوية لما قال إنه مطار بنته إيران بهدف تحقيق “أهداف إرهابية” ضد إسرائيل، ولم يذكر الكثير من التفاصيل، لكنه أشار الى أن الموقع قد يتسع لطائرات متوسطة الحجم. ويقع المكان الذي ذكره غالانت بالقرب من قرية بركة جبور ومدينة جزين اللبنانيتين، وهما على بعد نحو 20 كيلومتراً شمالي بلدة المطلة على الحدود مع إسرائيل.

وبعدها بنحو أسبوعين ألقت القوات الاسرائيلية قنابل دخانية وصوتية على قوة من الجيش اللبناني كانت ترافق جرافة لبنانية تعمل على إزالة ردميات رمتها جرافات العدو في الأراضي المحررة من مزرعة بسطرة، ما وتر الأجواء الحدودية وأدى الى استنفارات متبادلة قبل نحو أسبوعين من عملية “طوفان الأقصى”.

وبعد الطوفان تطورت العمليات العسكرية على الحدود، وكان التصعيد يزداد كل يوم أكثر، حتى وصل أمس إلى استهداف اسرائيل النبطية، و”حزب الله” حيفا وعكا، في تطور هو الأول منذ حرب تموز 2006، ويبدو أن التصعيد سيستمر إلى العام 2024، وسط التخوف من امتداد حرب غزة الى لبنان.

شارك المقال