“هلوسات” مواطن على أبواب عام جديد!

ياسين شبلي
ياسين شبلي

مع أفول عام وبداية عام جديد، قد يكون المطلوب وقفة صادقة مع الذات لكل منا للتبصر والتفكر في أمورنا وأفكارنا وحتى مصطلحاتنا، في محاولة لتصحيح الكثير أو القليل من المفاهيم التي نعتنقها، وتسمية الأمور بمسمياتها بعيداً عن التلطي وراء المثالية المفرطة، أو التكاذب الذي نمارسه مع أنفسنا ربما قبل الغير، فليقف كل منا أمام مرآة نفسه ليراها كما هي بفجورها وتقواها، ولنكن ولو لمرة واحدة في العام صادقين مع أنفسنا ومع مجتمعنا، علَّنا بذلك نشفى من بعض ما يؤرِّقنا، فالصدق مع الذات ومع الآخرين قد يكون مطهِّراً لنا ولمجتمعنا من كثير من الموبقات التي تعودناها.

تعالوا نكسر حدة الازدواجية في شخصيتنا، بين ما نقوله وما نعتقد به فعلياً، لنعلن أفكارنا صريحة، شجاعة وعارية من كل لباس قد يتسع عليها أو يضيق فتظهر بمظهر غريب لا يليق وتصبح مسخرة للآخرين.

فمثلاً، عندما ترى أيها الانسان في الثورة السورية “الموؤودة” أنها ثورة السُنة على العلويين، أو ثورة الأغلبية على الأقليات، وليست ثورة الشعب على نظام فاسد وظالم، فأنت هنا إنما تنصر الظالم من جهة، وتخذل المظلوم من جهة أخرى، وبالتالي فأنت بالتأكيد لست وطنياً مهما إدعيت، بل اما “علوي” أو “سني” أو “مسيحي” متعصب.

وعندما تنظر إلى تدخل إيران و”حزب الله” في سوريا على أنه فقط قتال شيعي ضد السُنة أو هجوم ضد الأكثرية من الأقلية، وليس دفاعاً عن نظام فاسد ومجرم من ضمن مشروع سياسي في المنطقة، فأنت هنا تعطي صك براءة للقاتل وبالتالي لست إصلاحياً بل تمثِّل الوجه الآخر للمشروع نفسه.

وعندما تعارض أو تؤيد التدخل الايراني في المنطقة العربية من منطلق أنه يقوِّي “الشيعة” وليس من منطلق تهديده للوطن العربي أرضاً ومجتمعاً بما فيه الشيعة أنفسهم، فأنت بالتأكيد لست عروبياً مخلصاً.

عندما ترى الأحداث في لبنان منذ العام 2005 أنها مجرد مؤامرة “شيعية” ضد السنة أو المسيحيين أو الدروز كل على حدة، وليست مشروعاً سياسياً خارجياً ينفذه حزب معين يطال الوطن برمته ويهدده من ضمن مشروع إقليمي أكبر، فأنت بالتأكيد لست لبنانياً سيادياً حراً مستقلاً، بل كائن متعصب بغض النظر عن طائفتك.

عندما ترى في المطالبة بدولة طبيعية في لبنان أنها مجرد تهديد للشيعة وليست مطلباً مشروعاً لأي لبناني، فأنت بالتأكيد لا ترنو إلى المساواة في الحقوق والواجبات ولا تنشد العدالة الاجتماعية، بل تدعو الى التعصب المذهبي وأنت بالتالي شيعي متعصب.

عندما ترى حتى في الرياضة متنفساً لغرائزك الطائفية والمذهبية وليست منافسة شيقة وشريفة، فأنت بالتأكيد لا تملك روحاً رياضية ولا تنشد الإبداع والإتقان في الحياة، بل تنحو نحو السلبية والعصبية القاتلة.

عندما ترى في زعيمك السياسي أو الديني أيقونة أو بوصلة، وإرضاءَه هدفاً لحياتك مهما قال أو فعل، وليس مجرد وسيلة لتحقيق آمال الوطن والمواطن، فأنت هنا لست مواطناً حراً بل تابع أعمى لا يرى ولا يسمع، وإن تكلم فمن أجل التسبيح بحمد الزعيم وتبجيله.

عندما تنظر إلى الأمور نظرة أحادية وتكتفي بالتنظير من دون أي فعل أو ممارسة جدية للاصلاح والتغيير، فأنت هنا بالتأكيد لست تغييرياً بل كائن يسعى الى الاستعراض والكسب الشخصي على حساب هموم الناس وآمالهم.

عندما تتخذ من الاسلام السياسي عدواً لا خصماً في السياسة وتتعامل معه على هذا الأساس حد تبرير جرائم الأنظمة “الوطنية” والعدو بحقه، فأنت هنا لست ديموقراطياً ولا علمانياً بالتأكيد، بل كائن متطرف حد تبرير الجرائم ضد الانسانية وسياسة الاجتثاث، بعيداً عن القوانين الانسانية المرعية الاجراء.

لقد آن أوان مراجعة النفس والمصطلحات ووضع الأمور في نصابها الصحيح، فلنقل الأمور كما هي ولنفكر بصوت عالٍ، لنعرف ماذا نريد وإلى أين نحن ذاهبون، فهل نحن مواطنون في دول طبيعية أم رعايا وأتباع أحزاب وطوائف ومذاهب؟ هل نحن شعب واحد أم “قرطة ناس مجمعين”؟ هل نتعامل مع بعضنا البعض في الوطن ككل متكامل أم على “القُطعة”؟ هل الرئيس أو المسؤول يمثلنا جميعاً أم يمثل “جماعته” وحسب؟ إلى متى سنعتبر الآدمي “أهبلاً” والشرير ذكياً وشاطراً، وهل نحن مقتنعون بما نقول ونفعل؟

سامحوني… هي “هلوسات” مواطن عادي على أبواب عام جديد نتمناه أفضل، قد تعجب البعض وقد تُغضب البعض الآخر، إن أعجبت كان خيراً، وإن أغضبت نرجو تجاوزها وعدم إعتبارها شراً، فالحياة أكبر من أن توقفها أو تعكرها هلوسات مواطن عادي على أبواب عام جديد. كل عام وأنتم بخير.

شارك المقال