رائد خوري لـ “لبنان الكبير”: تجاوزنا الارتطام لكننا في القعر

ليندا مشلب
ليندا مشلب

ينطوي عام جديد على “صفر” حلول لأزمة لبنان الآخذة في التمدد، وكما انتهت الـ٢٠٢٢، تختتم الـ٢٠٢٣، لا رئيس، لا اقتصاد، لا مشروع أو خطة للنهوض.

اللبناني أمره غريب، سريع التأقلم مع الأزمات الى حد الافادة منها لخلق واقع جديد. فمن كان يتوقع أن النمو هذا العام بلغ حدود الـ٤٪؜ من حجم الاقتصاد على الرغم من أننا نعيش شللاً قاتلاً على شتى المستويات؟ هذا ما يشير اليه وزير الاقتصاد السابق رائد خوري في حديث لموقع “لبنان الكبير”، ويلخص اقتصادياً مالياً ونقدياً ما انتهى اليه هذا العام.

يقول خوري: “لبنان يعتمد على سيبة تتمثل في القطاع الخاص الذي عالج نفسه بنفسه، والاغتراب الذي لا تزال أمواله تتدفق الينا بالاضافة الى قطاع السياحة الذي انتعش مجدداً، والنمو في الاقتصاد خالف التوقعات، لكن المشكلة الأساسية تكمن في تعثر القطاع المصرفي الذي لا يزال عالقاً بين الدولة التي فشلت في حل أزمة الودائع، وبين عجزه عن ممارسة دوره والعمل وفق ما يجب ضمن الدورة الاقتصادية كدائن للقطاع الخاص. يضاف الى ذلك توقف المفاوضات مع صندوق النقد الدولي”.

يضيف خوري: “ان الدولة اللبنانية بمختلف مؤسساتها عاطلة عن العمل، والسؤال الذي يخطر في بال اللبنانيين: كيف في دولة مهترئة لا نزال نقف على رجلينا؟ الجواب يعزز الدليل على أن القطاع الخاص هو رافعة الاقتصاد ويجب أن نصب كل اهتمامنا عليه، ‏والدولة هي كاسرة الاقتصاد ويجب التقليص من حجمها قدر المستطاع، ‏وقد وصل هذا الحجم إلى نسبة 33% من GDP ‏في العام ٢٠١٨ و٢٠١٩، بعدما كان لا يتخطى الـ15%، ومعروف أن الدولة في الدول الناشئة تصبح عبئاً على الاقتصاد”.

ويلفت خوري إلى ظاهرة تحت مسميات مختلفة، المشترك بينها أن أصحابها هم تجار الأزمات، وهذه الطبقة أصبحت قوة أمر واقع، استفادت من تسديد ديونها على دولار الـ1500 من المصارف وردتها من السوق بـ “الفريش” وكونت رأسمال عالياً في الأزمات business people لتفتح مصالح جديدة (من تجار وصناعيين ‏ومطورين عقاريين وأصحاب مطاعم ومقاهي…) هؤلاء يصنفون Risk takers هم أنفسهمmoney makers ، وأصبح الاقتصاد اللبناني يعتمد عليهم بصورة أساسية، وقد أتى ربحهم على حساب خسارة المودعين”، مذكراً بأن الدين الداخلي للمصارف كان بحدود الـ ٤٠ مليار دولار وأصبح الآن ما يعادل الـ٨ مليارات دولار، أي بانخفاض قيمته ٣٢ مليار دولار تم تسديدها بشيكات وغيرها، وهذا هو سبب الربح على الرغم من أنها حركت الدورة الاقتصادية .

ويخلص خوري في هذه النقطة بالتحديد الى القول: “لبنان بدو بس يحل عنو القطاع العام وينهض من جديد، لأننا كلما حاولنا الصعود يشدنا القطاع العام نزولاً، ونستشهد بالنموذج الأرجنتيني حالياً بحيث يعمل الرئيس الجديد خافيير جيراردو مايلي، الليبرالي الاقتصادي المتشدد، على الغاء عدد كبير من الوزارات والبنك المركزي والعملة الوطنية ويخفض الضريبة بتخفيف حجم الدولة، لأن الدولة في العالم الثالث دائماً تكون عالة على الاقتصاد وكلما خففنا منها أمدينا القطاع الخاص بمتنفس لصموده وتحسنه. وللتاريخ الأرجنتين كانت ثالث أكبر اقتصاد في العالم قبل الـ١٩٣٠ لأنهم كانوا يعتمدون قبل ١٠٠ عام، السياسة التي يريد اعتمادها الرئيس الحالي اذا تمكن من تحقيق ذلك. عام ١٩٣٠ منذ أن قررت الأرجنتين أن تؤسس دولة، بدأت تتوالى فيها الأزمات الى أن وصلت الى ما وصلت اليه (الفساد، عدم الفعالية، العجز، الاستدانة، التعثر وانهيار العملة الذي تواجهه الارجنتين كل ١٠ سنوات…)، حتى وصلوا الى مكان اقتنعوا فيه بوجوب تصغير حجم الدولة الى الحدود الدنيا، أي مهمة الأمن والتشريع وتفعيل الهيئات الرقابية فقط وكل الأمور الأخرى توكل الى القطاع الخاص ولا علاقة للدولة بها سوى الافادة من الاستثمارات، وهكذا فعلت دبي التي دخلت silent partner واستفادت من النسب والضرائب وتركت الخبز ليصنعه الخباز، الى حد أنها قدمت أراضي مجاناً لشركات عالمية ضخمة وعملاقة واضعة مواصفات وشروطاً ما رفع من قيمة كل العقارات وحرك الدورة الاقتصادية والأسواق، ونقل الأراضي من صحراوية الى أمتار مكعبة باهظة الثمن بزيادة ٥٠٠ مرة وأكثر عن قيمتها الفعلية”.

وحول المفاوضات مع صندوق النقد الدولي وما اذا كانت مستمرة بعدما تخلف لبنان عن تنفيذ وعوده بالاصلاحا،ت يوضح خوري أن “المفاوضات مع الصندوق متوقفة لا بل عادت الى نقطة الصفر والاتفاق المبدئيstaff agreement الذي تم توقيعه في شهر ابريل (نيسان) من العام الماضي لم يعد يصلح لأن الوقت مر عليه، ويحتاج الى اعادة ترتيب وتفاوض بذهنية مختلفة مع الأخذ في الاعتبار المتغيرات الحاصلة”.

وهل يصنف هذا العام بأنه أسوأ من الذي سبقه؟ وهل العام المقبل أسوأ منه؟، يجيب خوري: “اللبناني ميزته أنه يتكيف بسرعة مع الظروف، وهذا ساعد في تخطي الأزمة، لكن الانجاز الكبير الذي حصل هو أن المصرف المركزي قرر بناء جدار فاصل بينه وبين الدولة، وتوقف عن اقراضها ودعمها ما شكل نوعاً من الاستقرار على سعر الصرف في المدى المنظور، فقرار وقف النزيف لم يكن قراراً سهلاً ويجب أن يستمر في وجه الضغوط، لأن الدولة بصدد رفع الأجور والسؤال من أين تأتي بالأموال اذا لم تستطع تحصيل ضرائبها؟”.

الـ٢٠٢٤ يقول خوري، “يجب أن تكون سنة التسويات السياسية والاقتصادية والمالية، ويجب أن تجد الحكومة حلاً لأموال المودعين والودائع وتضع برنامجاً واضحاً وقابلاً للتنفيذ لتحديد المسؤوليات واستعادة الودائع، وإقرار القوانين اللازمة لوضع اطار عمل يضمن عودة القطاع المصرفي الى السكة الصحيحة لأننا من دونه لا نستطيع رفع النمو أكثر من ٥٪؜”.

ويكشف خوري أن “لبنان اقتصادياً، ارتطم وانتهى الارتطام وتم استيعاب الصدمة لكنه لا يزال في القعر مستقراً (stable to the bottom) ما في نزول بعد بس ما في طلوع… والطموح بالتأكيد ليس تحقيق نمو ٣ أو ٤ بالمئة في بلد انخفض الناتج القومي له من ٥٥ مليار دولار الى ٢٠ مليار دولار”، معرباً عن اعتقاده أنه “لم يعد هناك امكان لتجديد لعبة الدولار والفوضى، ولم تعد تنفع خصوصاً بعدما توضحت الصورة للخاسرين والرابحين وراح كل قطاع الى عملية تأهيل ذاتية وركلجة”.

ويختم خوري: “الحرب ستنتهي وستحصل التسوية ولبنان جزء كبير منها، وهذه التسوية الكبرى في المنطقة واضح أنها ستحصل في النصف الأول من العام ٢٠٢٤”.

شارك المقال