إسرائيل تصطدم بطريق مسدود في غزة

حسناء بو حرفوش

كان كل شيء على ما يرام بالنسبة الى إسرائيل حتى السابع من تشرين الأول/أكتوبر، وفقاً لقراءة مفصلة للكاتب دانيال بومونت، الأستاذ المحاضر في جامعة “روتشستر” الأميركية. وحسب بومونت، “لم يكن هناك من مكان لغزة في السابق حتى في عناوين الأخبار في إسرائيل. كانت حماس لتطلق بعض الصواريخ وكانت الطائرات الاسرائيلية لترد بإسقاط قنابل أكثر تدميراً عدة مرات على مواقع عسكرية مختارة من دون أن يرف لأحد جفن. لقد عانى الفلسطينيون أكثر من نصف قرن من الاحتلال والقمع، فلماذا لا نتحمل نصف قرن آخر؟ من وجهة نظر الحكومات المتعاقبة في إسرائيل، كانت كل هذه الأمور قابلة للادارة مع السرقة التدريجية للضفة الغربية، وتحويل غزة بعد عام 2004 إلى سجن يضم 2.2 مليون سجين. ولكن الوضع لم يبق على حاله وهجوم 7 تشرين الأول أحدث صدمة لم يتوقعها أحد”.

ويضيف بومونت: “لقد حطم ذلك التاريخ ثقة الاسرائيليين بأنفسهم وزعزع شعور الولايات المتحدة وأوروبا بالرضا عن النفس. أحداث كثيرة في السنوات الست أو السبع الماضية حجبت قضية الفلسطينيين. ومن الواضح أن الحرب في أوكرانيا كانت الحدث الرئيس. ولكن غابت غزة حتى عن قضايا المنطقة. وكانت هناك محاولات في السنوات الأخيرة للالتفاف على قضية الاحتلال الاسرائيلي للضفة الغربية والحصار الفعلي لغزة. ومن ثم، بدأت التحذيرات لكن يبدو أن الجنرالات الاسرائيليين كانوا ضيقي الأفق مثل نتنياهو الذي كانت أولويته الأولى، على غرار نظيره الأميركي، البقاء خارج السجن.

ويفسر هذا الفشل شدة الهجوم الاسرائيلي على غزة. لقد حاول نتنياهو والجيش الاسرائيلي إخفاء فشلهما الذريع من خلال عرض هائل للقوة النارية لكن أجهزة المخابرات الاسرائيلية المتفاخرة تضررت بدورها. بالنسبة الى إسرائيل، تمت مقارنة هجوم حماس بهجمات 11 أيلول/سبتمبر بالنسبة الى الولايات المتحدة، ولكن هناك فرق كبير. وعلى الرغم من أن تدخل الولايات المتحدة وتخبطها في الشرق الأوسط أدى إلى إنشاء تنظيم القاعدة، إلا أن أحداً لم يتصور قط أن جورج بوش حاول إنشاء تنظيم القاعدة. ليس الحال سيان مع نتنياهو، ومن الموثق جيداً أنه وآخرون في الليكود ساعدوا في تأمين الدعم المالي للحركة من أجل تقسيم الفلسطينيين، حتى يتمكن الليكود وغيره من الأحزاب الاسرائيلية اليمينية المعارضة لأي دولة فلسطينية من الادعاء بأنه ليس لديهم حزب للتفاوض معه. وهذا مجرد تكتيك للتأخير بينما تنتشر المستوطنات الاسرائيلية في جميع أنحاء الضفة الغربية. لكن في السابع من تشرين الأول/أكتوبر، ما عادت خطة نتنياهو بهذا الذكاء.

عدا عن ذلك، من الواضح أنه أعطى الأولوية للهجوم الشامل على التفاوض بشأن إطلاق سراح الرهائن مع حماس. الهدفان غير متوافقين. وتحويل غزة إلى أنقاض لن يحرر الرهائن كما أن الجيش الاسرائيلي قتل ثلاثة رهائن هربوا بطريقة ما من حماس وكانوا يلوحون بعلم أبيض. يقال إن جندياً إسرائيلياً صاح: إرهابيون!. وقُتل اثنان بالرصاص على الفور، وفر الثالث إلى مبنى مجاور حيث طاردوه وقتلوه وهو يتوسل إليهم باللغة العبرية من أجل حياته. ومن الصعب أن نفكر في مثال أكثر وضوحاً لعدم الكفاءة.

وفي هذه الأثناء، أصبحت الولايات المتحدة تشعر بالقلق إزاء الوفيات في صفوف المدنيين في غزة والتي تصل إلى أكثر من 20 ألفاً. يبدو أن هذا عدد كبير جداً، إذ لم تعلن وزارة الخارجية بعد عن العدد المقبول للقتلى من المدنيين. وقد وصف (جو) بايدن القصف بالعشوائي. ويبدو أن حماس تمتلك فكرة أفضل عما تفعله من إسرائيل أو الولايات المتحدة: استراتيجية حرب العصابات المتمثلة في تجنب المعارك الضارية، ونصب الكمائن الصغيرة في نظام الأنفاق الخاصة.

اسرائيل تقتل أصحاب الصوت

وفي المقابل، لا توفر إسرائيل جهداً لإخفاء الحقائق وأدى هجومها على غزة إلى مقتل 53 صحافياً، كما يُظهر مقتل الصحافية الفلسطينية الأميركية شيرين أبو عاقلة على يد الجيش الاسرائيلي العام الماضي أن إسرائيل لا تتردد في قتل الصحافيين لاسكاتهم. أما التأثير الثاني للحرب في غزة فتمثل في تصاعد عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. ويغتنم المستوطنون الفرصة، بينما يركز العالم الخارجي على غزة، لزيادة هجماتهم على المدن الفلسطينية، ودخول المنازل وضرب الناس وحرق السيارات وتدمير البساتين. وهم يقومون بإرهاب القرى الصغيرة وينجحون في كثير من الحالات في طرد جميع السكان من أجل محو القرى بالكامل. إذا كانت هذه الأفعال تبدو مثل تلك التي قام بها النازيون في الثلاثينيات، فذلك لأنها الأشياء نفسها. وهذه حقيقة صعبة وبسيطة حاول الساسة الأميركيون والاسرائيليون تجاهلها لعقود من الزمن. ليس هناك باب خلفي أو باب جانبي يؤدي إلى السلام بين العالم العربي وإسرائيل إلا من خلال فلسطين. لقد كان حل الدولتين حلماً بعيد المنال لفترة طويلة وأصبحت الضفة الغربية الآن مقسمة بفعل المستوطنات والجدران الاسرائيلية إلى الحد الذي يجعل إقامة دولة فلسطينية هناك أشبه بأحجية تختفي معظم قطعها”.

شارك المقال