الحق ليس على السنين

لينا دوغان
لينا دوغان

تمر السنون، وبتنا نتمنى في كل نهاية أن تكون السنة الحالية أفضل من سابقاتها.

لكن سابقاتها لم تكن على لبنان خيّرة، اذ يعاني منذ حوالي الأربع سنوات من مشكلة اقتصادية كبيرة، فقد تزعزع الاقتصاد وانهار بصورة كبيرة لدرجة لم تعد فيه قيمة لليرة اللبنانية وأصبح كل شيء مدولراً، وأصبحت أزمة السيولة اللبنانية أزمة مستمرة تؤثر على البلد ككل ابتداءً من آب 2019، وجاء بعدها وباء كورونا الذي بدأ في العام 2020، ما أدى إلى تفاقم آثار هذه الأزمة.

واستكمل الاقتصاد اللبناني مسار التدهور مع انهيار العملة الوطنية بصورة دراماتيكية، فتفقد الليرة اللبنانية أكثر من 95 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار الأميركي، وتنخفض من 1500 ليرة لبنانية للدولار الواحد في تشرين الأول 2019 إلى قرابة الـ 90 ألف ليرة للدولار حالياً، وقد تسبب هذا التراجع في تدمير القوة الشرائية للبنانيين، الذين عاشوا تحت وطأة مستويات غير مسبوقة من ارتفاع أسعار الاستهلاك، بحيث كشفت بيانات إدارة الاحصاء المركزي، أن أسعار المواد الغذائية، سجلت ارتفاعات فاقت نسبتها الـ 6000 بالمئة منذ العام 2019 وحتى العام 2023.

وقضت الأزمة الاقتصادية التي عاشها لبنان على معظم احتياطاته من العملات الاجنبية، فسياسة دعم أسعار السلع والمواد الأساسية التي تم إنتاجها خلال سنوات الأزمة، أدت إلى تراجع قيمة الاحتياطات الأجنبية في مصرف لبنان، وهذا ما دفع بحاكم المصرف بالإنابة وسيم منصوري، إلى الاعلان وفور إستلامه ادارة المصرف في آب 2023، أن المصرف سيتوقف كلياً عن مد الدولة اللبنانية بالعملات الأجنبية، نظراً الى الشح الكبير الحاصل في احتياطاته.

قرار الحاكم بالإنابة هذا شككت بعض المصادر بالاستمرار فيه، خصوصاً أن الدولة لا تستطيع الاستدانة من الخارج ولا من الداخل، فمن أين ستأتي بالمال لتغطية نفقاتها؟ كما أن الدولة لن تستطيع الجباية وتأمين إيرادات لأن هناك قسماً كبيراً من المواطنين يتخلف عن دفع الفواتير، ما يعني أن العجز سيتفاقم، وعندها سيضطر البنك المركزي الى طباعة المال وتمويل الدولة، إلا أن منصوري الذي طالب القوى السياسية والكتل النيابية بإبعاد السلطة النقدية واحتياجاتها عن أي تجاذب سياسي، مصر على البقاء على موقفه بعدم تمويل الدولة، إلا في حال أقرّت قوانين من الحكومة ومجلس النواب تشرّع هذا الأمر ووفق القواعد والنصوص الواردة في قانون النقد والتسليف، وبالتالي فهو يقوم بواجبه وما يستطيع عمله ضمن القانون، والمسؤولية تقع على عاتق الدولة من حكومة ومجلس نواب، وبما أن القوى السياسية متفقة في موضوع الحفاظ على أموال المودعين والعمل على اعادتها كما والحفاظ على سعر الصرف، فعليها أن تسعى جاهدة ومن دون تأخير الى إقرار القوانين الاصلاحية.

حتى لحظة دخولنا العام الجديد، لبنان لا يزال يعاني من مشكلة رباعية العناصر، المالي والنقدي والاقتصادي والسياسي، ومن هنا يبدأ الموضوع، فأربع سنوات من الشلل على صعيد الحكم، تجلت مظاهره في عدم قدرة الأطراف السياسية على الاتفاق في ما بينها، للتصدي للمشكلات المالية والاجتماعية التي تعاني منها البلاد، كما أوصلت هذه الخلافات إلى شغور منصب رئاسة الجمهورية، منذ تشرين الأول 2022، ما انسحب تعطيلاً على عمل باقي المؤسسات الدستورية، أولها مجلسا الوزراء والنواب، إضافة إلى عدم الوصول الى اتفاق على تعيين حاكم أصيل لمصرف لبنان، بعد إنتهاء ولاية الحاكم السابق رياض سلامة، في وقت بات الفراغ يهدد مناصب إدارية وأمنية عليا أخرى، ما يدل على أن مستقبل لبنان الاقتصادي بات غامضاً، وأن الوضع يتجه إلى المزيد من التعقيدات.

ويعلق كثير من المحللين على الوضع السياسي وتأثيراته على كل الصعد، ويعتبرونه المشكلة الحقيقية والسبب الأساس لكل المشكلات التي يمر بها لبنان، كما يرون أن عنوان هذه المرحلة هو التعطيل الذي مورس لسنوات مضت ولا زلنا نراه حالياً في جميع القرارات في الدولة، ما يجعل المشاريع الاصلاحية معطلة كذلك المفاوضات مع صندوق النقد الدولي والتي تراوح مكانها، وأي تقدم يمكن أن يحصل على الساحة اللبنانية، مرتبط أولاً بحل الوضع السياسي في البلد.

ومع اقتراب العام من نهايته، دخل قسم من لبنان في معركة “طوفان الأقصى”، وقد أعادت هذه الحرب الى الأذهان حرب ٢٠٠٦ بكل ما حملته من تداعيات وقرارات، كما جعلت الخوف يدب في قلوب كل اللبنانيين من دون استثناء، لأن وضعهم المعاش لا يحتمل أبداً الدخول في حرب، وهذا ما زاد الوضع السياسي تأزماً فوق تأزم، وأدت حرب غزة الى حدوث حرب كلامية عالية النبرة بين مؤيد ومعارض.

هذه باختصار جولة على سنين بدأ لبنان يعاني فيها من وجع مستمر، فأضحى ذلك المواطن الخائف على عيشه وأمنه واستقراره، والقلق على مستقبله الفارغ بنظره من كل شيء حتى من أمواله التي أودعها مصارف أقفلت أبوابها في وجهه وتوقفت عن إعطائه وديعته، عالقاً بين السياسي والاقتصادي، الذي لا نعرف حتى الآن من سيسبق الآخر الى الحلحلة، واذا ما ذهبنا الى حلحلة، فكم سنحتاج من الوقت حتى نعود الى أقل ما يقال عنه عيشة هانئة؟

دائماً الوقت كفيل بالحل، والسنون كفيلة بمحو الماضي، الا في لبنان فالكفلاء الوحيدون هم السياسيون الذين عليهم أولاً الاتفاق على أنهم تأخروا كثيراً في التبصر بأمور المواطنين، ويبقى الأمل بالله وليس بـ ٢٠٢٤، والعيب فينا وليس في ٢٠٢٣ وما سبقها من سنوات.

شارك المقال