“حماس” في لبنان… من “أوسلو” إلى “وحدة الساحات”

محمد شمس الدين

بعد اغتيال اسرائيل نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” في بيروت صالح العاروري في عمق الضاحية الجنوبية على أوتوستراد السيد هادي نصر الله، تعالت أصوات لبنانية تندد بوجود الحركة في لبنان واضعة نفسها في خانة الحياد عن الصراعات. ولكن الحركة لم تصل إلى لبنان البارحة، فهي موجودة فيه منذ تأسيسها تقريباً، وقد عززت مكانها بعد اتفاق أوسلو الذي كان يلقى ردود فعل متباينة بين الفسلطينيين واللبنانيين الذين سيكونون من تشكيل “محور المقاومة” مستقبلاً.

عام 1992، أقدم جيش العدو الاسرائيلي على إبعاد 415 فلسطينياً من حركتي “حماس” و”الجهاد الاسلامي” من الضفة الغربية إلى جنوب لبنان، على خلفية عملية خطف جندي اسرائيلي وقتله، فاستقروا في منطقة مرج الزهور في قضاء حاصبيا وأقاموا مخيم العودة، وخلال فترة الابعاد التي استمرت حوالي سنة، استطاعت “حماس” تنظيم صفوفها، وشبك علاقات مع التنظيمات اللبنانية، حتى أن بعض عناصرها بقي في لبنان، على الرغم من انتهاء قرار الابعاد بقرار من مجلس الأمن الدولي، وزار رئيس الحركة اسماعيل هنية الموقع الذي كان مبعداً فيه عام 2020.

في الفترة ما قبل حرب تموز 2006 كان تركيز الحركة على حماية حق العودة للاجئيين الفلسطينيين، والحرص على الأمن والسلم والاستقرار في لبنان، ومستقبل السلاح الفلسطيني، عبر تفاهم فلسطيني – لبناني في إطار حل سياسي متكامل، ما يخدم العلاقة بين الشعبين، والحرص على إنجاح عمل لجنة الحوار اللبناني – الفلسطيني، التي “تنأى عن التجاذبات السياسية لأي دولة، وتؤكد استقلالها في اتّخاذها قرارها الفلسطيني الوطني”، وفق ما تؤكد في وثيقتها.

في نهاية عام 2021 نشرت صحيفة “يديعوت أحرنوت” تقريراً عن انشاء حركة “حماس” وحدة عسكرية في لبنان، وأن قرار إنشائها اتخذ بعد الحرب في غزة عام 2014، وكانت الوحدة التي يقودها صالح العاروري، مكلفة فتح جبهة جديدة ضد إسرائيل، إلا أن التقرير اعترف بأن قدراتها العسكرية ستكون محدودة، معتبراً أن الهدف من إنشاء الوحدة “هو صرف انتباه إسرائيل عن غزة خلال الحروب اللاحقة قدر الامكان”.

وأشار التقرير الى أن مقر الوحدة يقع قرب مدينة صور جنوب لبنان، ويعتقد أن عناصرها منتشرون في مناطق أخرى أيضاً، ويتم تدريب المقاتلين من جهات إيرانية لم يذكرها، وهناك تركيز على صناعة الصواريخ، حسب ما أوردت “يديعوت أحرونوت”. وفي السياق، أكدت الصحيفة أن “حزب الله على علم بعمليات فرع حماس الجديد، ومنحه الضوء الأخضر”.

وذكّر التقرير بأن أول هجوم من هذه الوحدة على إسرائيل جاء خلال الحرب التي استمرت 11 يوماً بين إسرائيل و”حماس” في شهر أيار من العام 2021، عندما أطلقت 4 صواريخ على شمال إسرائيل من لبنان. ونسب الجيش الاسرائيلي حينها الهجوم إلى “الفصائل الفلسطينية”.

ونشر التقرير بعد انفجار وقع في مخيم البرج الشمالي قرب مدينة صور، في مستودع أسلحة تابع للحركة.

وبحسب التقرير، فان بيروت أصبحت محطة دائمة لقادة “حماس” مثل خليل الحية المسؤول عن العلاقات العربية والاسلامية، وزاهر جبارين المسؤول عن ملف الأسرى والجرحى والشهداء، اللذين أصبحا شبه مقيمين في لبنان بعد التقارب التركي – الاسرائيلي، وحاجة “حماس” إلى الجبهة اللبنانية بعد سقوط طرق إمدادها في السودان ومصر.

وأوضح التقرير أن “التوسع الأمني والعسكري لحماس في لبنان يخدم الهدف الذي أطلقته قيادات عدة في محور الممانعة، وهو توحيد الجبهات والساحات، والذي يندرج تحت استراتيجية حماس الجديدة مع يحيى السنوار، أي خلق مساحات جديدة لاستهداف إسرائيل، ليكون لبنان إلى جانب غزة والضفة الغربية والداخل الاسرائيلي”.

أضاف التقرير في حينه: “بغض النظر عن حجم الوجود العسكري للحركة في لبنان، من الواضح أن هناك توجهاً لربط الساحة اللبنانية بجميع الجبهات أثناء اندلاع المواجهات مع إسرائيل”.

المتخصص في الشؤون العربية صقر أبو فخر أشار في حديث لموقع “لبنان الكبير” إلى أن “الوجود الفعلي والتنظيمي لحركة حماس في لبنان بدأ بعد اتفاق أوسلو في التسعينيات، الا أن الظهور العسكري يعتبر حديثاً، ربما كان يتم انشاء خلايا عسكرية لكن لم يحصل الظهور الا بعد حرب تموز 2006، ولم تبدأ عمليات للحركة إلا في آخر بضع سنوات، عبر اطلاق صواريخ تسقط في مناطق مكشوفة، الهدف منها كان اعلان وجود، أما اليوم بعد الطوفان فهم مشاركون بحدود ضئيلة”.

ولفت أبو فخر إلى أن التشكيل العسكري لـ “حماس” بعد تثبيت مبدأ وحدة الساحات أصبح أكثر ظهوراً، مذكراً بأن هناك اتفاقاً بين لبنان والفلسطينين لمنع العمل العسكري والتسلح خارج المخيمات، وأن حركتي “حماس” و”الجهاد” خرقتا هذا الاتفاق بغطاء وتنسيق من “حزب الله”.

في السياق، أكد مدير “مركز تطوير للدراسات الاستراتيجية والتنمية البشرية”، الباحث الفلسطيني هشام دبسي لـ “لبنان الكبير” أن “ظهور حركة حماس في لبنان بتنظيمها السياسي والميليشيوي تشكل بعد تأسيسها عبر عناصر تابعين لجماعة الاخوان المسلمين، ولاحقاً تم تطوير التسليح الفردي للعناصر كي يصبح وازناً لأن حجمها كبر، ولديها قواعد مكشوفة خارج المخيمات ولم تمارس أي نشاط عسكري من لبنان الا بعد مبدأ وحدة الساحات بغطاء من حزب الله، الا أنه كان محدوداً بعد الحملة التي تعرضت لها”.

في المخيمات انتشرت حركة “حماس” انتشاراً واسعاً وأصبحت التنظيم الثاني بعد حركة “فتح”، وأدى هذا الأمر إلى صراع على النفوذ بين الحركتين، لا سيما أن “فتح” وبقية التنظيمات التزمت بالاتفاق مع الدولة اللبنانية، بعدم العمل عسكرياً خارج المخيمات، بينما “حماس” تمددت إلى خارجها، وأنشأت خلايا عسكرية، تحديداً في الجنوب اللبناني، عدا عن أن تسلحها تخطى الشق المتعلق بأمن المخيمات، وأصبح هدفه فتح جبهة ضد اسرائيل من لبنان.

تجدر الاشارة الى أن إيران حافظت على علاقتها مع “حماس”، على الرغم من الخلاف الذي حصل بين الأخيرة و”محور المقاومة” في سوريا حول النظام هناك، قبل أن تعيد الحركة مراجعة حساباتها، وتنضوي تحت لواء المحور مجدداً عام 2014، وكان للقيادي صالح العاروري دور في ذلك بالتنسيق مع يحيى السنوار.

وتشكل “حماس” محور جدل في الداخل اللبناني، فهي بالنسبة الى القوى “السيادية” تخرق قرار سيادة لبنان عبر استخدام أراضيه لأعمال عسكرية من دون إذنه، وتضرب اتفاق الطائف، الذي قضى بتجريد الميليشيات من سلاحها، والسلاح الفلسطيني من ضمنها. أما بالنسبة الى “محور المقاومة” فهي حركة مقاومة ضد العدو الاسرائيلي، ومن حقها الاستعداد لمواجهته بكل السبل الممكنة.

شارك المقال