اسرائيل تستهدف قادة “الممانعة” المؤثّرين والرسائل عديدة!

جورج حايك
جورج حايك

ليس اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لـ “حماس” صالح العاروري عملية منفصلة عن الصراع الكبير بين اسرائيل وإيران، وهو يأتي من ضمن سلسلة اغتيالات بدأتها الدولة العبريّة سابقاً، واشتهرت بدقة تنفيذها، ولا شك في أنها تعتبرها إنجازاً مهماً في خضم الحرب التي تشنها على حركة “حماس” في قطاع غزة والهدف منها توجيه رسائل عديدة الى إيران و”حزب الله” و”حماس”.

من الواضح أن اسرائيل وضعت بنك أهداف لعمليات اغتيال شخصيات تنتمي إلى محور الممانعة عموماً و”حماس” خصوصاً، بحكم أن الأخيرة هي رأس الحربة في الصراع، إلا أن دماء المسؤول الكبير في الحرس الثوري الايراني رضي موسوي لم تجفّ بعد اغتياله في دمشق منذ 10 أيام، وطبعاً هذا ما لا تنفيه اسرائيل التي تحدثت عن تصميم على إغتيال شخصيات معادية لها في كل الساحات، وتوعّدت “حماس” بذلك، بل هددت الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله بأنه على رأس اللائحة.

ويعتبر العميد المتقاعد مارون خريش أن هذه الاغتيالات هدفها الأساس ضرب معنويات محور الممانعة، فإسرائيل تستهدف قيادات من الصفّ الأول، وتوجّه الى إيران و”الحزب” و”حماس” رسالة بأنها صاحبة المبادرة وهي قادرة على تحديد زمان أي اغتيال ومكانه، متسلّحة بمعلومات دقيقة، لافتاً إلى أن عملية اغتيال العاروري تعكس مراقبة وعمليات استطلاع وملاحقة بالتفاصيل، بحيث عرفت المقر الذي يقيم فيه بقلب الضاحية وبحماية “الحزب”، وهو قائد على مستوى التخطيط والتنفيذ.

من جهة أخرى، أجمع كل المتابعين من خبراء استراتيجيين وأمنيين وسياسيين على أن اسرائيل حققت أهدافاً عدة من خلال هذا الاغتيال، أولاً، تنفيذ تهديدها بتصفية أحد المطلوبين من “حماس” وتوجيه ضربة معنوية اليها في غزة، ثانياً تبيلغ “الحزب” أنها قادرة على اختراق حصونه ومقراته لأن المنطقة مكشوفة أمنياً، ثالثاً وجود متعاملين مع اسرائيل من بيئة “الحزب” وهذا أمر خطير جداً.

لا شك في أن هناك بنك أهداف لاسرائيل غالباً ما تحدثت عنه في الاعلام على صعيد قادة “حماس” ويتضمن الأسماء الآتية التي كان العاروري من بينها، وهي: محمد ضيف، يحيى السنوار ومروان عيسى، وهؤلاء موجودون في غزة. أما الاثنان الآخران، فهما إسماعيل هنية وخالد مشعل، ويتمركزان خارج القطاع.

لكن لا بد من الاعتراف بأن العاروري ليس المسؤول الأول في “حماس” الذي تغتاله اسرائيل، فمنذ 7 تشرين الأول الفائت، تمكّنت من اغتيال العديد من كبار المسؤولين المتمركزين في غزة، أهمهم عضوا المكتب السياسي في “حماس” زكريا أبو معمر وجواد أبو شمالة، ثم قُتل مراد أبو مراد وعلي قاضي في غارات جوية. وبعدها تمّ اغتيال عضو المجلس العسكري الأعلى لـ “كتائب القسّام” المسؤول عن منطقة وسط غزة أيمن نوفل. وقد امتدت أيادي اسرائيل إلى تصفية أول امرأة منتخبة لحكومة “حماس” جميلة الشنطي. وأخيراً وليس آخراً، قتلت القائد الأعلى لكتيبة بيت لاهيا في الفرقة الشمالية لـ “حماس” نسيم أبو عجينة.

ويرى العميد خريش أن اسرائيل بالفعل لديها بنك أهداف، إلا أن هذا لا يعني أن قوى الممانعة ليس لديها بنك أهداف أيضاً، وقد تمكّن “حزب الله” منذ أيام قليلة من استهداف مركز عسكري مستحدث مهم جداً في شمال اسرائيل، وهذا دليل على أن هناك عملية جمع معلومات عن العدو الاسرائيلي أيضاً. لكن من الطبيعي أن تكون إمكانات اسرائيل أقوى في هذا المجال، نظراً إلى القدرات المالية والتكنولوجية المُتاحة.

من جهة أخرى، هناك من يربط بين عمليات الاغتيال الاسرائيلية ومجريات الحرب الدائرة في غزة، فإسرائيل لم تحقق حتى الآن انتصاراً حاسماً على الأرض، لذلك لجأت إلى الاغتيالات التي تبرع فيها لترفع معنويات جيشها وتقدّم انجازات إلى شعبها الناقم نسبياً، بسبب الغرق في حرب استنزاف تؤدي إلى خسائر بشرية كبيرة على صعيد الجيش الاسرائيلي.

لكن خريش لا يؤيد هذه النظريّة، ويوضح أن اسرائيل لديها أهداف أخرى من حرب غزة، وأهمها تدمير القطاع وتهجير الفلسطينيين، وليس هدفها أن تقضي على “كتائب القسّام”، بدليل أن رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو يتحدث يومياً عن أن الحرب لا تزال طويلة مع “حماس”، والمقصود تفريغ القطاع ودفع الشعب إلى الرحيل، وقد وسّعت اسرائيل هجماتها لتطال المخيمات في الضفة الغربية، وهي تضغط على الولايات المتحدة الأميركية بواسطة اللوبي الاسرائيلي اليهودي الذي يستغل فترة الانتخابات الرئاسية الأميركية، محاولاً إقناع المرشحين بأن الفرصة متاحة لإنهاء القضية الفلسطينية.

مع ذلك، لا ينفي خريش أن المقاومة الفلسطينية شرسة ومتماسكة وصامدة، لكنه يؤكد أنها لم تحقق أي انتصار ولا يكفي رمي الصواريخ على تل أبيب من وقت إلى آخر للقول بأنها منتصرة.

أما السؤال الذي يطرح نفسه: هل ستقتصر الاغتيالات الاسرائيلية على قادة “حماس” أو ستشمل كل قادة الممانعة؟ يجيب خريش: “سمعنا أحد القادة الاسرائيليين يُعلن أن نصر الله في رأس قائمة الشخصيات المنوي اغتيالها، لذلك من المؤكد أن اسرائيل لن تكتفي بقادة حماس، وربما قُتِل مع موسوي في دمشق بعض مسؤولي حزب الله، إلا أن الحزب تعلّم من الاسرائيليين أن يتكتّم عن خسائره الحقيقية، وهو وايران يعرفان أن اسرائيل قادرة على استهداف قادتهما، وليس سراً أنهما مخروقان من الداخل، والشخص الذي أرشد الاستخبارات الاسرائيلية إلى العاروري تم القاء القبض عليه، وهناك الكثير مثله على اتصال مباشر مع اسرائيل بدافع كسب المال”.

شارك المقال