اغتيال العاروري في الضاحية… “البيئة الحاضنة” الى أين؟

حسين زياد منصور

ما بعد”طوفان الأقصى”، ليس كما قبله، واستهداف الضاحية الجنوبية لبيروت في 2 كانون الثاني 2024، ليس كما قبله وما بعده. اغتيال نائب رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” صالح العاروري مساء الثلاثاء، كان الاغتيال الأبرز لقادة المقاومة الفلسطينية. والبارز أيضاً عملية الاغتيال الدقيقة، التي يرجح أنها نفذت بواسطة مسيّرة، وأصابت الطابق حيث مكتب العاروري الذي كان موجوداً فيه ورفاقه.

عملية الاغتيال هذه جاءت في عقر دار “حزب الله”، وأظهرت أن إسرائيل قادرة على استهداف من تريد من القادة، حتى ضمن المناطق التي تخضع لسيطرة الحزب، وتعد ممسوكة أمنياً. وفي الوقت نفسه توصل رسالة الى جماهير المقاومة و”البيئة الحاضنة” لهذه المقاومة وكيف ستتأثر بعد هذه العملية.

التمسك بالمقاومة

الباحث والصحافي قاسم قصير يرى أن “البيئة الحاضنة للمقاومة الى مزيد من التماسك والقوة واغتيال كهذا يدفع الى التمسك بها أكثر، ولا خيار لمواجهة إسرائيل الا بالمقاومة”.

“المشهد كان واضحاً لناحية الحضور الشعبي الكبير في مكان الانفجار وأن الناس لا تخاف من أي عملية استهداف “بحسب قصير، الذي بتقديره أن هذا الحدث سيزيد من حجم التواصل بين قوى المقاومة فإسرائيل تستهدف الجميع ولا تستهدف طرفاً دون آخر.

ويقول قصير لموقع “لبنان الكبير”: “خطاب السيد حسن نصر الله سيزيد من حجم ما يسمى تعزيز محور المقاومة، عمليات كهذه في تاريخنا، كل اغتيال لأحد قياديي المقاومة يدفع قوى المقاومة الى تعزيز دورها وموقعها، وأسلوب الاغتيال يصنع حالة تعاطف شعبي مع هذه القوى، فطريقة الاغتيال تدفع بمن لا يحب حماس الى أن يحبها ومن لا يحب صالح العاروري الى أن يحبه”.

وينفي وجود أي حالات خوف بين الناس، “فهم أمام المزيد من المسؤولية لمواجهة العدو الاسرائيلي على مستوى المواطن، أي كل شخص مسؤول بأن يدافع عن المقاومة”.

وبرأي قصير “نحن أمام تحدٍ جديد مع تطور العمليات، وعمليات كهذه تزيد من تماسك المقاومة وبيئتها وتجعل قوى المقاومة متمسكة أكثر بقيادتها لأن لا أحد يمنع إسرائيل من القيام بما تريد لا الأمم المتحدة ولا غيرها، لذلك لا خيار سوى الذهاب نحو المقاومة التي من الممكن أن تواجه إسرائيل”.

لا يعتبر قصير عملية الاغتيال خرقاً أمنياً لـ “حزب الله”، فالمنطقة أصبحت كلها مكشوفة أمنياً بفضل وجود كل مواقع التواصل الاجتماعي والتكنولوجيا، والمعركة مكشوفة تستعمل فيها كل التكنولوجيا الجديدة سواء الالكترونية أو الطائرات المسيّرة أو الاقمار الاصطناعية.

ويشدد على أن “هذه معركة تكشف حجم التحدي الأمني الكبير ومن المفترض أن يؤخذ في الاعتبار لدى قادة المقاومة أن أي تصرف أو تحرك سيكون أمام ساحة مكشوفة ولا خطوط حمر في المواجهة”.

حالات تململ واستياء وانزعاج

رئيس تحرير موقع “جنوبية” الصحافي علي الأمين يصف في حديث لموقع “لبنان الكبير” هذه العملية بأنها “عملية أمنية دقيقة لأنها تمت في منطقة يفترض أنها تحظى بحماية أمنية خاصة في الضاحية الجنوبية”، معتبراً أن “خرقاً ما حصل، والعملية في مجملها غير واضحة كيف تمت، من خلال مسيرة أو غارة عادية، وان كانت هناك مراقبة ميدانية”.

وبحسب الأمين هذا الخرق يدل على الامكانات الاسرائيلية في استهداف قيادات سواء كانت فلسطينية أو لبنانية.

“هذا العمل يتطلب رداً ما والأرجح سنشهد بشكل من الأشكال رداً بدرجة أساسية من حزب الله، وبالطبع حماس معنية لأنها هي المستهدفة” كما يقول الأمين، لكن حدود الرد أو كيف سيكون هو أمر غير واضح، لكن لا شك في أن هدفه الأساس سيكون محاولة لجم إسرائيل عن القيام بعمليات اغتيال أخرى، وأن رد “حزب الله” لن يكون بالمستوى الذي يستدرجه الى حرب مفتوحة مع إسرائيل.

ويضيف الأمين: “لا شك في أن هذه العملية تكشف ما هي قدرة إسرائيل على القيام به من عمليات أخرى وبالتالي هناك مخاطر حقيقية من استهداف شخصيات أخرى”.

في ما يتعلق بالبيئة الحاضنة، يؤكد أن هناك قلقاً، وذلك من تطور عمليات كهذه الى حرب ستكون المناطق التي يسيطر عليها “حزب الله” عرضة للاستهداف. وبرأيه “في اللحظات الحرجة والخطيرة لا نشهد تحولات في المجتمع أو البيئة لأن لا خيار في لحظة الحرب، لكن الأكيد أن الناس لا تريد الحرب، الا أنها في حال حصلت المواجهة يصبح ايقاع الحرب هو الأساس، ولا يكون الكلام عن التحولات والاعتراض، فيصبح صوت المدفع هو الحاكم في لحظات كهذه”.

ويتساءل: “على المدى المستقبلي هل هذا التوتر الدائم والمواجهة المستمرة ستغير في الأنسجة؟ بالتأكيد ستغير، لأن لها تأثيراً على مصالح الناس”، لكنه يشير الى أن التحدث عن شيء سابق لأوانه غير ممكن، “والأكيد وجود حالات تململ واستياء وانزعاج، لكن كيف تترجم سياسياً هذا الأمر؟ غير واضح ومن المبكر الحديث عن هذه التغيرات”.

اغتيالات دقيقة

الاغتيالات الاسرائيلية لقادة وعناصر من “حزب الله” و”حماس” كانت واستمرت أكثر بعد “طوفان الأقصى” في لبنان وسوريا وفلسطين، من دون نسيان الجنرالات الايرانيين الذين اغتيلوا.

تراشق الضربات بين “حزب الله” وإسرائيل عند الحدود لم يتوقف، مع تنفيذ الحزب عمليات ضد أهداف عسكرية إسرائيلية، لترد إسرائيل بقصف المناطق الحدودية من جهة، واستهداف قادة منه من جهة أخرى، وضرب البنى التحتية العسكرية له، وفق جيش الاحتلال، الى جانب الغارات والاستهدافات لمواقعه داخل سوريا.

الاغتيالات التي حصلت في الفترات الماضية، أبرزها كان اغتيال قاسم الجنرال قاسم سليماني منذ 4 أعوام، عن طريق مسيرة أميركية، وقتلت معه نائب قائد ميليشيات “الحشد الشعبي” العراقية أبو مهدي المهندس.

وقبل أيام جاء اغتيال القيادي في الحرس الثوري الايراني رضي موسوي، من خلال استهداف منزله بثلاثة صواريخ إسرائيلية.

هذه العمليات التي نفذت بالمسيرات، كانت دقيقة، ولم تكن تستهدف قادة إيرانيين وحسب، بل ومنذ بدء “طوفان الأقصى”، استهدف 5 مقاتلين من فرقة “الرضوان” النخبوية التابعة لـ”حزب الله”، بينهم نجل رئيس كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب محمد رعد. وهؤلاء قتلوا في غارة إسرائيلية استهدفت المنزل االذي كانوا موجودين فيه في قرية بيت ياحون في الجنوب.

وفي القنيطرة السورية قرب الجولان المحتل، وعن طريق مسيرة أيضاً، قتل 3 عناصر من “حزب الله”، بعد استهداف سيارتهم.

ولا يمكن إغفال اغتيال قادة من “كتائب القسام” في لبنان، اذ تمكنت مسيرة إسرائيلية من استهداف سيارتهم، وكان عددهم 5، بينهم تركيان، وكانوا في مهمة استطلاعية وجولة على نقاط القتال التي يتحصّن فيها مقاتلون في الجنوب.

شارك المقال