خياران أمام نتنياهو

عاصم عبد الرحمن

القضاء على “حماس” واستعادة المختطفين هدفان استراتيجيان وضعهما رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو أمامه مستخدماً التكتيكات الحربية كافة، ضارباً عرض الحائط بالقانون الانساني الدولي الذي يحمي المدنيين أثناء النزاعات والحروب، متجاهلاً الدعوات الدولية كافة للتعقل قدر الإمكان في عدوانه على قطاع غزة، متمسكاً بهدفيه الأبعد من المستحيل. فأي خيارات سياسية وعسكرية أبقى أمام حكومته القائمة على فوهة بركان سياسي يكاد يطيح إسرائيل؟

مع دخول عملية “طوفان الأقصى” شهرها الرابع وعلى الرغم من المشاهد المرعبة التي تختصر صورة المأساة والقهر واللاإنسانية التي ترسم الحياة اليومية للغزيين، فلسان حالهم لا ينفك عن ترداد صدى الصبر والصمود والتمسك بحقهم في الحياة والأرض، فقد تآخوا مع الظلم ولا بد لليل الحرية من أن ينجلي ويجلو معه ركام الاحتلال الأعتى في تاريخ البشرية. في مقابل هذه الصورة هناك ما لم يسبق حدوثه منذ إعلان دولة الكيان الصهيوني عام 1948، صراع أجهزة أمنية وعسكرية، اشتباك مؤسسات الدولة، تشكيك سياسي في المؤسسة العسكرية وتصفية حسابات سياسية حتى الحرب الأطول في تاريخ إسرائيل لم توحد جبهتها ولا عيد الغفران طهر ذنوبها.

من الواضح أن مختلف القوى والأحزاب السياسية في إسرائيل ترفع شعار “الشعب والدولة أولاً” وهو ما عبّر عنه الرئيس الأميركي جو بايدن حين تحدث عن أولوية وجود الشعب اليهودي ومصالحه بعيداً من مستقبل رئيس الوزراء الأكثر حكماً في تاريخ الكيان بنيامين نتنياهو الذي يعيش هواجس مستقبله السياسي والحزبي، فمقصلة ملفات الفساد التي يسعى إلى تأجيل تنفيذها لم تعد تساوي شيئاً أمام عواقب تحمله مسؤولية “طوفان الأقصى” الذي انفجر في وجه حكومته الأكثر تطرفاً.

أرقام مخيفة عن أعداد القتلى الاسرائيليين الذين تصطادهم صنارات “كتائب القسام” المتواضعة عتاداً وعديداً، إعاقات دائمة في صفوف الجيش بين فقدان البصر والأطراف، أمراض نفسية أصيب بها المقاتلون أدت إلى إطلاق نيران صديقة تستدعي علاجاً طويل الأمد. أما عن الخسائر الاقتصادية والمالية التي منيت بها إسرائيل فحدث ولا حرج، إذ إن الجنود الاحتياطيين الذي يقبعون في الجبهات هم موظفون إداريون وطلاب جامعيون يعملون وينتجون ويحركون الاقتصاد.

حال من الارهاق الداخلي تعانيها إسرائيل على الصعد كافة، تقاذف سياسي وإعلامي يتطاير بين مختلف القطاعات والأجهزة والمؤسسات، وإحباط غير متكرر يرزح تحت ركامه الاسرائيليون تعكسه مختلف وسائل الاعلام، فعلى الرغم من أن المجتمع الاسرائيلي يميل إلى تصديق الروايات الرسمية بات غير مقتنع بما تقدمه الحكومة من خطاب يومي غير واقعي يتمحور حول رمي المسؤوليات يميناً شمالاً.

إنَّ الاعلام العبري يولي أهمية قصوى للتظاهرات التي تنطلق يومياً للمطالبة بوقف الحرب وإطلاق جولة مفاوضات تفضي إلى استعادة المخطوفين لدى المقاومة الفلسطينية، شعارات شعبية ترسم صورة مطلقة عن استحالة إمكان حكومة نتنياهو تحقيق هدفَيْ عدوانه على غزة، وما زاد طين هزيمة حكومتهم بلة فشل رفع صورة الطيار الاسرائيلي الذي اختفى في لبنان رون أراد بحيث فشلت مختلف المحاولات العسكرية لتحريره ما يضع الحكومة ورئيسها أمام خيارين لا ثالث لهما للخروج من أنفاق غزة التي أرسلتهما إلى مزبلة تاريخ الكيان الغاصب وفق ما يعبّر عنه الاسرائيليون.

الخيار الأول: تقدم نتنياهو بالاستقالة إفساحاً في المجال أمام تشكيل حكومة إنتقالية لا تتحمل أوزار الحكومة الحالية، تتولى وضع خريطة طريق منطقية وذات أهداف معقولة للتفاوض مع الفلسطينيين تبدأ بوقف العدوان وتتمحور حول تلبية مطالبهم كتبييض السجون وإعادة إعمار غزة والاقتناع بأن مستقبل القطاع يقرره الفلسطينيون لا سواهم.

الخيار الثاني: الاستمرار في العدوان على غزة ودفع مزيد من الجنود إلى مصيدات “كتائب القسام” وتالياً استنزاف القوة العسكرية والاقتصادية لاسرائيل على اعتبار أن الدولة التي تخوض حرباً تلتهمها نيران المنظمات المسلحة والحركات المقاوِمة لا تملك مؤسسات اقتصادية وعسكرية يتهددها الانهيار نتيجة استمرار الحروب خصوصاً وأن شعباً لا يملك شيئاً ليخسره يحتضنها.

لا شك في أنَّ القوى الدولية تميل إلى الخيار الأول مدفوعة برغبة إسرائيلية داخلية تحت ضغط أهالي الأسرى ومصابي 7 تشرين الأول، فحتى رئيس الوزراء الارهابي الراحل أرئيل شارون سلك خيار الخروج من قطاع غزة وتفكيك المستوطنات واضعاً نصب عينيه مصلحة إسرائيل الدولة، إلا أن لنتنياهو خيارات أخرى تغلبها المصالح الشخصية فهل تصح نبوءة بداية زوال الكيان التي يؤمن بها اليهود بزعامة مَنْ يحمل اسمه؟

شارك المقال