القطريون عائدون!

جورج حايك
جورج حايك

قد يُخيّل للرأي اللعام اللبناني أن الأفق الرئاسي مُقفل بسبب حماوة الأوضاع العسكرية على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية، إلا أن الواقع ليس قاتماً إلى هذا الحد، وثمة معلومات تقاطعت عن تحرّك قطري وشيك والوصول إلى مسودة، تمكّن موقعنا من استطلاعه من خلال قنوات ديبلوماسية عديدة، وسيتبلور في الأيام المقبلة، والهدف منه إعادة تحريك الملف الرئاسي اللبناني وجوجلة أسماء مطروحة سابقاً وإمكان طرح أسماء جديدة قد تدخل في السباق.

وتلفت المعلومات إلى أن أولى الخطوات ستكون اجتماع “أونلاين” للجنة الخماسية في الأيام المقبلة، تسبق زيارة الوفد القطري إلى لبنان خلال الأسبوع المقبل، وهو مؤلف من خمسة مسؤولين ديبلوماسيين وأمنيين قطريين، ولم يتضح بعد ما إذا ستكون الزيارة معلنة أو غير معلنة. وسيلتقي الوفد مسؤولين من “حزب الله” والقيادات المسيحية الأساسية، والرئيسين نجيب ميقاتي ونبيه بري، واحتمال أن يلتقي قائد الجيش العماد جوزيف عون.

ولن يكون الوفد مكلفاً من اللجنة الخماسية إنما سيجري محادثاته بالتنسيق مع اللجنة ولا سيما السعودية والولايات المتحدة الأميركية، وسيحمل مجموعة أسماء في طليعتها العماد عون، وخصوصاً بعد التمديد العسكري والمعطيات الداخلية التي نتجت منه، وأهمها إعادة التواصل بين الرئيس بري و”القوات اللبنانية”، وربما ستعطي المبادرة القطرية دفعاً أقوى للاتصالات المستمرة بين بري و”القوات”، على الرغم من أن هناك رفضاً واضحاً لانتخاب عون من رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل و”حزب الله”، إلا أن الباب لا يزال مفتوحاً. لكن توضح مصادر المعلومات أن هناك أسماء أخرى سيحاول الوفد استمزاج آراء القيادات اللبنانية حولها، أبرزها: نعمة افرام، زياد بارود، ناصيف حتي، اللواء الياس البيسري وابراهيم كنعان.

لا ينفي الأمين العام للمؤتمر الدائم للفديرالية الدكتور الفريد رياشي هذه المعلومات، إذ تربطه صداقات كثيرة بقطر من خلال قربه من مؤسسات أميركية وعمله كوسيط في العديد من الملفات في المنطقة، كاشفاً أنه التقى بعض هذه الأسماء الرئاسية المتداولة. ويرى أن القطريين لديهم اقتراحات عدة ضمن سلّة معيّنة، تقضي: أولاً بإنتخاب رئيس للجمهورية، ثانياً تشكيل حكومة جديدة، ثالثاً إجراء جلسلت حوارية خارج لبنان على عدة مراحل، قد تكون في الدوحة أو سويسرا أو الرياض بإدارة الرئيس العتيد، بهدف التوصّل إلى خفض الاشكاليات اللبنانية، والاتفاق على صيغة جديدة للنظام الحالي أو تطوير اتفاق الطائف إذا صحّ التعبير.

أما بالنسبة إلى تطبيق القرار 1701، فتشير مصادر المعلومات الى أن القطريين مهتمون جداً بضرورة تنفيذه بالتشاور مع الفرنسيين والأميركيين لتجنيب لبنان حرباً مدمّرة، وقد ينص الاقتراح القطري على انسحاب اسرائيل من الغجر ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا وبعض القرى الحدودية لتحل مكانها قوات دولية، وينسحب “الحزب” إلى ما وراء الليطاني وتنشأ منطقة عازلة ينتشر فيها الجيش اللبناني وقوات “اليونيفيل”. وتؤكّد أن “الحزب” لم يقل إنه لن يطبّق القرار الدولي إنما يبلغ كل الموفدين الدوليين أن لا حديث في هذا الموضوع إلا بعد انتهاء حرب غزة. وبالتالي يبدو أن الأميركيين قد وصلوا إلى تفاهم مع اسرائيل بضبط النفس على الجبهة الشمالية وعدم الذهاب إلى عملية عسكرية كبيرة. صحيح أن الموفد الأميركي آموس هوكشتاين زار اسرائيل منذ يومين ولم يأتِ إلى بيروت، إلا أن المعطيات تشير إلى أنه قد يعود بعد أسبوعين حتى “تبرد” الأجواء التي خلّفها اغتيال القيادي في حركة “حماس” صالح العاروري.

ويعتبر رياشي أن بعض المقترحات القطرية الرئاسية وما يليها من خطوات ليست جديدة، بل انها طرحت في زيارات سابقة إلى لبنان، وقد ناقشتها الأطراف اللبنانية كبنود حوارية، لكنها لم تنل موافقة نهائية عليها، وربما لن تصل إلى نهايات إيجابية.

ولا بد من طرح السؤال: هل توقيت التحرّك القطري مناسب في ظلّ الحرب الدائرة في غزة وحرب “حزب الله” واسرائيل على الحدود، وعدم استعداد “الحزب” للكلام في الملف الرئاسي وفق شعار “لا صوت يعلو فوق صوت المعركة”؟

تقول المصادر: “يدور نقاش داخل الحزب حول أمرين: القبول بتسوية قبل الانتخابات الأميركية، والاتجاه يبدو مؤيداً أكثر لهذا الأمر، إلا أن الحزب يُراهن على الوقت الذي يُحقّق له المزيد من المكاسب، أو إنتظار الادارة الأميركية الجديدة، علماً أن هذا الرهان محفوف بالمخاطر. لذلك لن يغلق الحزب الأبواب في وجه القطريين، وعلى الرغم من إنغماسه في أزمات الاقليم، سيفاوض وستُعرف حقيقة موقفه من تمسّكه بمرشّحه سليمان فرنجية أو فتح الطريق أمام مرشحين آخرين”.

أما الآليات المطروحة، إذا صفت النيّات فهي عديدة، ويمكن للرئيس بري استنباط الطرق والوسائل والآليات من تجربة التمديد العسكري، كالمشاورات الثنائية أو استشارات تحت قبّة المجلس والاتفاق على لائحة من اسمين أو ثلاثة أسماء شبه توافقية ثم فتح الأبواب لانتخابات حقيقية دستورية ديموقراطية تؤدي إلى انتخاب رئيس.

لا يمكن القول إن التحرّك القطري ليس في وقته، بل لبنان في أمسّ الحاجة الى مبادرة تخرجه من خطر تمدّد الحرب ولمواجهة الحرب الاقتصادية في الداخل، علماً أن القطريين مقتنعون بأن أيّ مبادرة لن تصل إلى نتيجة ما لم تكن هناك أرضية لبنانية داخلية توافقية.

شارك المقال