أعوام من “السموم” النفطيّة في البداوي… و”الطاقة” لا تستجيب!

إسراء ديب
إسراء ديب

تحوّلت منشآت النّفط في البداوي من نعمة كانت تستهدف إحداث فورة اقتصادية وعمرانية شمالية، إلى نقمة أدّت إلى تفاقم مستوى التلوّث الناتج عن الاهمال وسوء الإدارة، إذْ يشتكي سكان البداوي وخصوصاً جبل البداوي منذ عشرات السنين، من تلوّث مستمرّ في مياههم كان قد تفاقم بصورة واضحة منذ أسابيع وتحديداً بعد ارتفاع مستويات العكارة في المياه مع انتشار رائحة المازوت الصادرة عن هذا المصدر “الحياتيّ” الذي يدخل منازل القاطنين في هذه المنطقة التي تحتاج إلى حفر الآبار الارتوازية بصورة دورية فيها بسبب عدم وصول شبكة مياه الشرب إليها.

يُمكن القول، إنّ رائحة المازوت التي يشمّها سكّان جبل البداوي من المياه المستخرجة في الفترة الأخيرة، دفعت الكثير من المواطنين إلى رفع صوتهم لإيجاد حلّ جذريّ لمشكلة أحدثت أضراراً صحية جسيمة أبزرها مرتبطة بإصابة الكثير منهم في السابق بالكوليرا من جهة أو بالسرطان من جهة ثانية، وهم يُؤكّدون أنّ منشآت النفط تتحمّل مسؤولية هذا التلوّث، ما دفع المئات منهم إلى تنفيذ اعتصامٍ أمام باحة المصفاة في وقتٍ سابق، إلى جانب قيام رئيس بلدية البدّاوي حسن غمراوي بإثبات عملية التلوّث المرتبطة بالمنشآت (بالصورة) مباشرة في مؤتمر صحافي عقده منذ أسابيع تحدّث فيه عن جذور هذه المشكلة وكيفية حلّها، لكن على الرّغم من طرحه هذه المسألة أمام الوسائل الاعلامية والمعنيين، وتحذيره من تصعيد محتمل رفضاً لهذا التلوّث، إلا أنّه لم يتلّق أيّ اتصال أو مبادرة للحلّ حتّى الآن.

وفي حديثٍ لـ “لبنان الكبير”، يُشدّد غمراوي على أنّ سياسة التوفير أو الأداء السيء بحقّ المناطق الشمالية المهملة والفقيرة تُعدّ سبباً رئيساً يوضح ما وصلت إليه المنطقة. ويقول: “كلّ فترة، تترسّب الأوساخ في خزان للمازوت، فتأتي المصفاة لتسحب هذه الرواسب التي يكون علاجها بسحبها عبر صهريج وتكريرها، لكن ما يحدث هو سحب الرواسب ورميها على الأرض التي تتشرّب هذه المواد النفطية الضارة وتسحبها إلى باطنها، وبالتالي إنّ هذه المشكلة القديمة تتراكم في وقتٍ لا يهتمّ فيه المعنيون بضرورة حلّها، مع العلم أنّني كنت أرسلت كتباً حول هذ القضية بتفاصيلها إلى وزارة الطاقة، لكن لا أحد يستجيب لنا”.

ومنذ أسابيع، أتى أحد المواطنين الى مكتب غمراوي ومعه زجاجة مياه تُثبت ارتفاع نسبة التلوّث فيها، مع حصول رئيس البلدية في المقابل، على صورٍ تُؤكّد عملية رمي الترسبات أو الأوساخ على الأرض بحيث تنتقل هذه الأخيرة إلى باطنها، ومن ثمّ إلى الآبار الارتوازية التي لم يعد أحد يتمكّن من استخدامها بالصورة المطلوبة، إذْ لجأ الأهالي إلى شراء المياه في الأيّام الأخيرة، خوفاً من إصابتهم بأيّ مكروه لدى استخدامها.

من هنا، يُضيف غمراوي: “إنّ الوضع يتجّه نحو الانفجار بسبب تراكم هذه المشكلات، حتّى أنّ المختار عبد الناصر غمراوي كان أكّد لي عملية التلوّث في وقتٍ سابق، أي أنّ هذه الآفة ضربت كلّ المنطقة من دون استثناء، وتسبّبت في أضرار كبيرة لوّثت الآبار، لذلك رفعت الصوت في مؤتمر صحافيّ عرضت فيه الاثباتات اللازمة لأذكّر المعنيين بأهمّية الفكرة التي أعرضها منذ أعوام، وهي مرتبطة بصورة وثيقة بجبل البداوي حيث لا شبكة للمياه فيه، وهنا لا نقصد الطريق العام للبداوي التي تصل الشبكة إليها”. ويحمّل “منشآت النفط قي البداوي قطعاً هذه المسؤولية”.

ولا يُخفي أهالي منطقة جبل البداوي قلقهم الكبير من هذه الأزمة التي لم يتدخّل المعنيون لحلّها بصورة جذرية حتّى اللحظة، فبعد مناشدات استمرّت لأكثر من عشرة أعوام، لا تزال على حالها على الرّغم من إطلاق الوعود المتكرّرة والصادرة بعد المناشدات، إذْ اعتاد الأهالي عموماً رفع الصوت في كلّ مرّة يعود فيها التلوّث إلى منازلهم، لتتراجع نسبته قليلاً ثم تعود وترتفع من جديد بعد فترة، لكنّ نسبة العكارة التي وصلت إليها المياه منذ أيّام تُعدّ غريبة، وكانت دفعت 200 شخص إلى اعتصام سلميّ قام على هدفين، أوّله: رفض السكوت عن إقفال منشأة نفط طرابلس بدعوة من رئيس الاتحاد العمّالي العام في الشمال النقيب شادي السيّد، والثاني تنديداً بالاستراتيجية المتبّعة مع أهالي البداوي من إدارة المنشآت من جهة وكذلك وزارة الطاقة من جهة ثانية. في وقتٍ يُؤكّد فيه بعض من اعتصموا لـ “لبنان الكبير” أنّ استمرار مشكلة تلوّث مياه الشرب وإعطاءها الحلول “النسبية” لن يُجديا نفعاً، “بل ستصل أعداد المتظاهرين إلى الآلاف في حال لم تتمّ تلبية نداء الاستغاثة قريباً، بحيث سننام جميعنا أمام المصفاة ولن نتحرّك من مكاننا إلّا بعد الاستجابة لمطالبنا المحقّة والتي لا ندرك سبب إهمالهم لها كلّ الفترة السابقة”، وهو التحذير نفسه الذي يُطلقه غمراوي أيضاً، معتبراً أنّ عدم وضع خطّة عمل لإنقاذ المنطقة من التلوث، “يدفعنا وتحديداً بعد أسبوع إلى التوجه نحو الاعتصام لكسر حال الاهمال التي لا يُمكن تحمّلها بعد الآن”.

شارك المقال