أولويات وتحديات!

صلاح تقي الدين

كثيرة هي الاستحقاقات التي تنتظر اللبنانيين في العام 2024 غير أن ترتيباً أولياً لهذه الاستحقاقات يضع انتخابات الرئاسة في المقام الأول وهو ما لا يبدو حتى كتابة هذه السطور على أجندة المعنيين، سواء داخلياً في مجلس النواب ولدى القوى السياسية المختلفة، أو إقليمياً ودولياً لدى اللجنة الخماسية المكلفة حصراً تسهيل إجراء هذا الاستحقاق.

غير أن ما استجد بعد “طوفان الأقصى” من انخراط “حزب الله” في فتح جبهة إسناد ودعم على الحدود الجنوبية، أعاد إذا جاز القول، بروز التحدي القديم الجديد المتمثل في تطبيق القرار الأممي 1701 وارتفاع وتيرة المطالبة بتنفيذه، داخلياً ودولياً.

وتم التداول في الأيام الأخيرة من العام المنصرم في معلومات تفيد بأن الموفد القطري الشيخ أبو فهد جاسم آل ثاني سيعاود زياراته المكوكية إلى بيروت في مطلع العام الجديد لكي يساهم في دفع عجلة الانتخابات الرئاسية من خلال “تفحّص” إمكان التوافق بين القوى السياسية على اسم ثالث من خارج الاسمين المتداولين للرئاسة وهما رئيس تيار “المردة” سليمان فرنجية وقائد الجيش العماد جوزيف عون، غير أن لا موعد محدد بعد لهذه الزيارة.

كما أفيد بأن الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان سيعود أيضاً إلى بيروت مكلّفاً من اللجنة الخماسية لمتابعة مهمته التي لم تنجح لغاية اليوم في “حلحلة” المعضلة المتمثلة في تمسّك فريق الممانعة وتحديداً الثنائي الشيعي بترشيح فرنجية الأمر الذي يجعل من زيارته غير المقررة بعد، رحلة سياحية إضافية يقضيها في ربوع لبنان.

وكان موقع “لبنان الكبير” نقل عن مصادر سياسية أن المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، ومسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيف بوريل ووكيل الأمين العام للأمم المتحدة لعمليات حفظ السلام جان بيار لاكروا سيكونون من ضمن الوفود الديبلوماسية التي ستزور لبنان للقاء الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي بهدف “التحفيز” على إجراء الانتخابات الرئاسية، إلى جانب التأكيد على المقولة المنتشرة منذ السابع من تشرين الأول الماضي، بتجنب الانجرار إلى الحرب الدائرة في فلسطين المحتلة.

لكن لدى المواطن اللبناني أولويات أخرى بعيدة عن الاستحقاق الرئاسي، فما يهمه أولاً وأخيراً هو إقرار الاصلاحات المتعلقة بالوضع المعيشي والصحي والتربوي والاجتماعي، وجميع هذه المواضيع يبدو كما لو أن القوى السياسية وضعتها على الرف، أو أنها غير قادرة على التوافق حولها، لكن أيضاً وأيضاً، لعدم إمكان إقرارها بغياب رئيس للجمهورية وقيام حكومة كاملة الصلاحيات.

من الواضح أن الهدف الأول لزيارات الموفدين هو المحافظة على الوضع القائم حالياً في الجنوب أي “حرب مضبوطة” كما أعلن الأمين العام لـ “حزب الله” السيد حسن نصر الله والتشديد على عدم توسيع هذه الجبهة، مصحوباً بالتهديدات الاسرائيلية مثل إعادة لبنان إلى العصر الحجري أو تكبيده خسائر لن يستطيع تحملها الخ…

صحيح أن الوضع في جنوب لبنان أدى إلى نزوح ما يقارب 80 ألف جنوبي من منازلهم والتفتيش عن أماكن أكثر أمناً باتجاه الشمال، غير أن العدو الاسرائيلي في المقابل، شهد نزوح أكثر من 100 ألف مستوطن من شمال فلسطين المحتلة نحو الداخل الاسرائيلي ما تسبب بأزمة كبيرة وعبئاً إضافياً ثقيلاً على الاقتصاد الاسرائيلي، مع تهديدهم رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو بعدم العودة إلى مستوطناتهم ما لم يجد حلاً لـ “حزب الله” وسلاحه.

وتحوّل الوضع على الحدود الجنوبية للبنان إلى أولوية بالنسبة الى المجتمع الدولي، ولذا ترى الموفدين يروحون ويجيئون لغاية واحدة وهي “كبح” قدرة “حزب الله” على إلحاق الأضرار الكبيرة بالعدو الاسرائيلي والالحاح عليه لضبط النفس وعدم الانجرار إلى الحرب.

لكن فات هؤلاء الموفدين أن أولوية المواطنين الجنوبيين أصبحت مماثلة، وأن العودة إلى منازلهم وقراهم في الجنوب مرتبط بوقف العدوان الاسرائيلي على غزة، ومنعه من اختراق القرار 1701 وإلى أن يتحقق هذا الشرط فلا مجال لتطبيق القرار الأممي من الجانب اللبناني فقط، ولن يتوقف “حزب الله” عن الرد على القصف والغارات الاسرائيلية على لبنان.

لكن أولوية الأولويات هي انتخاب رئيس للجمهورية، خصوصاً وأن تجربة إمرار قانون التمديد لقائد الجيش وفرت صورة إيجابية عن امكان التوافق بين القوى السياسية على النزول إلى مجلس النواب للقيام بواجبها، وانتخاب رئيس، مهما كان اسم هذا الرئيس، لكي يبدأ من بعدها العمل على حل الأزمات الاقتصادية والمالية والنقدية والتربوية والاجتماعية من خلال تشكيل حكومة جديدة تضم أسماء مشهود لها بالكفاءة ونظافة اليد.

غير أن استمرار الحرب على غزة يجعل من احتمال انتخاب رئيس في المدى المنظور بعيداً ولو راح الموفدون وجاؤوا 100 مرة، فارتباط لبنان من خلال “حزب الله” بالحرب على غزة، يجعل منه مادة رئيسة على طاولة المفاوضات والتسويات التي ستنعقد بمجرد الوصول إلى اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة، وما علينا إلى حينه سوى الانتظار والتضرع إلى الله لكي لا تكون العواقب وخيمة.

شارك المقال