في ظل كباش نتنياهو – بايدن… المنطقة إلى أين؟

ياسين شبلي
ياسين شبلي

لم تتوانَ سنة 2023 عن تسليم “الأمانة” لسنة 2024 بكل “شفافية”، إذ سلَّمت كل ملفاتها – وما أكثرها – ومن ضمنها ملفات منطقتنا المفتوحة غالبيتها على النار والموت والدمار تاركة للسنة الجديدة طرق معالجتها إن إستطاعت إلى ذلك سبيلا.

فمن حرب غزة وتبعاتها الميدانية ومآسيها، إلى تداعياتها الاقليمية في كل من دمشق وبيروت وبغداد وصولاً حتى كرمان في إيران، يبدو أن العام الجديد يحمل تباشير “تمرد” – إن لم يكن إنقلاباً – رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو على “حاضنته” العسكرية والسياسية أميركا ممثلة بإدارة جو بايدن، التي كانت في الأيام الأولى للحرب كأم الصبي في إستنفارها لحماية إسرائيل المصدومة والمرعوبة من عملية “طوفان الأقصى”، التي لم يسبق لها مثيل في تاريخ مسيرة إسرائيل العدوانية على العرب، خصوصاً أنها أتت من حركة فلسطينية مقاومة وليس من جيوش نظامية عربية تتَّبع قواعد وأساليب الحرب التقليدية التي تتقنها إسرائيل جيداً، فضلاً عن الأثر النفسي السلبي الذي تركته وتتركه تحركات كهذه من أصحاب الأرض الأصليين والحقيقيين بعد 75 عاماً من الصراع الذي كانت تراهن إسرائيل خلالها على أن الكبار من الفلسطينيين سيموتون وأن الصغار سينسون، ويستتب لها بعدها الأمن والأمان لا سيما مع تقاطر الدول العربية على التطبيع معها مؤخراً.

فبعد ثلاثة أشهر على بداية الحرب، يبدو أن بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة وبمساعدة الولايات المتحدة الأميركية وغطائها السياسي والعسكري طبعاً، قد نجحا في إستيعاب الصدمة وتخطيها ما جعله يتصرف كالطاووس و”يتمرد” حتى على حاضنته الأميركية بعد أن كان مع بداية الحرب كالجرذ الخائف، وهو الأمر الذي بدا جلياً في الخلاف بينه وبين إدارة بايدن حول خطط اليوم التالي للحرب، بحيث يبدو أنه مصمم على إجتثاث الفلسطينيين من أرضهم والدفع بهم نحو مصر بداية ومن ثم الأردن تنفيذاً لخططه عن يهودية الدولة مع توسيع جغرافيتها والقضاء على “حل” الدولتين الذي تدَّعي أميركا السعي إليه بعد الحرب، وهو ما تجلى في التصعيد الأخير على كل الجبهات في رد على ما يبدو على سحب أميركا حاملة الطائرات “فورد” من المتوسط، وهو ما فسرَّه بعض المراقبين بأنه رسالة تحذير وضغط أميركي على نتنياهو وحكومته للتراجع عن مخططاته على الأقل، فكان التصعيد بدءاً بإغتيال رضي موسوي في دمشق وصالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت في خرق خطير وإستفزاز سافر لـ “حزب الله”، وصولاً إلى تفجيرات كرمان بإيران في محاولة منه على ما يبدو لتوسيع دائرة الحرب، وذلك لوضع أميركا وإدارتها أمام الأمر الواقع في سنة الانتخابات الأميركية، في إنتهازية سياسية ليست غريبة على ممارسات إسرائيل وإداراتها المتعاقبة حتى مع “ولي نعمتها” أميركا، وذلك عبر إستفزاز محور الممانعة في المنطقة لحشره في الزاوية وهو الذي باتت خسائره تزداد جراء المواجهة خصوصاً في الآونة الأخيرة سواء في لبنان أو في سوريا والعراق، كذلك في اليمن مع قيام تحالف “حارس الازدهار” والضربة التي إستهدفت أحد الزوارق الحوثية وإغراقه بمن فيه، في تحذير واضح من مقبل الأيام.

هذه التطورات المتلاحقة التي توحي وكأن نتنياهو قد إستعاد زمام المبادرة بعد أن كان فقدها في الساعات والأيام الأولى من الحرب لصالح الادارة الأميركية، وبات يتصرف مع إدارة بايدن على قاعدة “الأمر لي”، تطرح عدة تساؤلات عن الأيام المقبلة وسبل تطور الأوضاع في المنطقة. أولى هذه التساؤلات عن رد محور الممانعة على التصعيد الصهيوني الخطير والمستفز، الذي يبدو حتى الآن مضبوطاً تحت سقف قواعد الاشتباك، فهل يتطور أم أنه سيلتزم ضبط النفس في وجه هجمة نتنياهو على طريقة الانحناء للعاصفة حتى تمر، مع محاولة تحصيل “ثمن” سياسي لهذا الضبط من أميركا التي أرسلت آموس هوكشتاين إلى المنطقة لمحاولة ضبضبة الأمور؟ هذا التساؤل يجر إلى تساؤل على الجهة المقابلة عن المدى الذي سيذهب إليه نتنياهو في تحديه لادارة بايدن، وكم سيصمد في هذا الخيار؟ والتساؤل ينسحب هنا أيضاً على خيارات إدارة بايدن في مواجهة نتنياهو في سنة إنتخابات صعبة، وهل تحرك الشارع الاسرائيلي مجدداً ضد نتنياهو بالأمس هو أحد هذه الخيارات؟

ويبقى السؤال الأكبر بالطبع وهو المنطقة – ولبنان العاجز والمشلول خصوصاً من ضمنها – إلى أين، لا سيما مع ما يبدو من بداية إنزلاق الى حافة الهاوية بسبب تهور نتنياهو، الذي قد يلجأ في حال إشتد الطوق عليه داخلياً إلى الهروب إلى الأمام على طريقة علي وعلى أعدائي، فهل يفعلها “المجنون”؟

شارك المقال