تاريخ من الاغتيالات الاسرائيلية… الانتقام أولاً

محمد شمس الدين

اغتالت اسرائيل القيادي في حركة “حماس” صالح العاروري الأسبوع الماضي في الضاحية الجنوبية، على الرغم من أنها لم تتبنَّ العملية رسمياً، إلا أن هذا أمر معتاد في عمليات الاغتيال الاسرائيلية التي عادة ما يعلن عنها ضباط الاستخبارات في منشورات لاحقة، إن كان باسمهم، أو عبر إعطاء المعلومات لصحافيين اسرائيليين.

وتعتبر الدولة العبرية أكثر من يعتمد على الاغتيالات عالمياً، وهذا الأمر انتهجته منذ احتلال فلسطين بذريعة أنها في محيط معادٍ لها، وبهذه العمليات تحفظ أمنها القومي، وفق ما أفاد المسؤولون الاسرائيليون عبر التاريخ.

وقد نفذت اسرائيل أكثر من 2700 عملية اغتيال في فترة 71 عاماً، وفق ما ورد في كتاب “انهض واقتل أولاً”، الذي يتحدث عن تاريخ الاغتيالات المستهدفة من أجهزة الاستخبارات الاسرائيلية للصحافي رونين بيرغمان، بحيث أجرى المؤلف أكثر من ألف مقابلة مع قادة سياسيين وعناصر استخبارات، ووضع يده على آلاف الوثائق السرية، ولم تنفِ الدولة العبرية المعلومات الواردة في الكتاب.

غالبية عمليات الاغتيال الاسرائيلية كانت لقادة التنظيمات الفلسطينية، إلا أنها طالت أيضاً قادة في دول عربية لا سيما مصر ولبنان. وكذلك استهدفت علماء عرباً وأجانب، اعتبرتهم اسرائيل تهديداً لأمنها القومي، متهمة اياهم بتطوير أسلحة لكيانات عدائية، مثل مصر في ظل جمال عبد الناصر، أو العراق إبان فترة حكم صدام حسين.

وفي العام 2007، اتخذت اسرائيل قراراً بملاحقة العلماء الايرانيين وقتلهم، بسبب ما تعتبره التهديد الايراني.

ويدور جدل في الدولة العبرية حول جدوى عمليات الاغتيال هذه، بحيث أنها لم تحبط فعلياً تطور المنظمات الفلسطينية أو “حزب الله”، أو ايران، التي تكاد أن تصبح دولة نووية.

وتنوعت أدوات الاغتيال لدى المخابرات الاسرائيلية من معجون الأسنان المسمم، الذي يستغرق شهراً لإنهاء حياة الهدف المنشود، والطائرات المسيرة، والهواتف المحمولة الملغومة، والاطارات الاحتياطية مع قنابل التحكم عن بعد، وحتى إطلاق الرصاص.

وقبل الخوض في أبرز عمليات الاغتيال، تجدر الاشارة الى أن فرق الاغتيال الاسرائيلية لاحقت القيادات النازية بعد الحرب العالمية الثانية في أنحاء العالم، لا سيما في أميركا الجنوبية.

أبرز عمليات الاغتيال كانت لرئيس منظمة التحرير الفلسطينية الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، زعيم “منظمة أيلول الأسود” علي حسن سلامة، يحيى عياش صانع القنابل في “حماس” المعروف باسم “المهندس”، زعيم حركة “حماس” الشيخ أحمد ياسين وخليفته في غزة عبد العزيز الرنتيسي والأمين العام لـ “الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين” أبو علي مصطفى.

وبالاضافة إلى اغتيال الأمين العام السابق لـ “حزب الله” السيد عباس الموسوي بقصف سيارته، تتهم اسرائيل أيضاً بقتل قياديين في حركات المقاومة اللبنانية، كالقياديين في حركة “أمل” محمد سعد وخليل جرادي، والمسؤول عن تطوير برنامج الطائرات المسيرة في “حزب الله حسان اللقيس” والعديد من القيادات الأخرى. كما يعتبر أن لـ “الموساد” يداً في اغتيال القيادي الكبير في “حزب الله” عماد مغنية.

بعد عملية ميونيخ تعهدت اسرائيل بملاحقة جميع أعضاء “منظمة أيلول الأسود”، وقد نفذت عملية في بيروت ضد ثلاثة أعضاء منها، في عملية أسمتها “ربيع الشباب”، أدت الى تدهور العلاقات بين الدولة اللبنانية والفصائل الفلسطينية.

عمليات بارزة نفذتها فرق الاغتيال الاسرائيلية: العلماء النازيون الذين كانوا يساهمون في تطوير الصناعة العسكرية المصرية، مثل هاينز كروغ، سانجر يوجين وكلين ووشتير، الذين استهدفتهم في دول أوروبية.

كما استهدفت عدة علماء مصريين، في بلدان مختلفة مثل العالمين النوويين سميرة موسى وسمير نجيب في أميركا، سعيد البدير عالم اتصالات مصري اغتيل في الاسكندرية وجمال حمدان عالم موسوعي مصري.

وكذلك لاحقت اسرائيل العلماء العراقيين ومن يساعدون العراق، فاغتالت العالم النووي الكندي جيرالد بول في بروكسيل لأنه كان يساعد العراق، ويحيى المشد رئيس البرنامج النووي العراقي في باريس، والعالم النووي العراقي ابراهيم الظاهري الذي اغتيل في غرب بلده.

وبالتأكيد استهدفت فرق القتل الاسرائيلية أي عالم يساعد في تطوير قدرات الفصائل الفلسطينية، مثل العالم الفلسطيني فادي البطش في ماليزيا، العالم التونسي محمد الزواري في بلده، الكيميائية الفلسطينية إيمان حسام زورا في رام الله وضرار أبو سيسي في أوكرانيا.

ولم يسلم العلماء اللبنانيون من اغتيالات اسرائيل، فقد قتلت استخباراتها الفيزيائي رمال رمال، وطالب الفيزياء النووية هشام مراد في فرنسا، وطالب الدكتوراه في الاقتصاد حسين علي خير الدين في كندا.

ولم تنسَ اسرائيل العلماء الايرانيين والسوريين، اذ قتلت 5 علماء سوريين بقصف استهدفهم في دمشق عام 2014، وعدداً غير معروف من العلماء الايرانيين، عرف منهم 5 بين عامي 2007 و2012.

تعتبر اسرائيل عمليات الاغتيال جزءاً أساسياً من أمنها القومي، وفيما نجحت في كبح بعض التطور لدول عربية، إلا أن هذه العمليات لم تستطع ضرب عزيمة الفصائل التي تقاتلها، كونها تعتمد استراتيجيات “الهيدرا”، بمعنى آخر عندما تقتل رأساً ينبت آخر، ما أدى الى بقاء هذه الفصائل متماسكة، بل استطاعت استكمال تطوير قدراتها العلمية والعسكرية، وبالتالي أصبحت الاغتيالات الاسرائيلية انتقامية أكثر مما هي استراتيجية، بل قد يكون هدفها في كثير من الأحيان للاستثمار السياسي في الكيان الاسرائيلي.

شارك المقال