من غزة الى لبنان

لينا دوغان
لينا دوغان

ترى التوقعات أن حرب غزة طويلة ومن المرجح أن تمتد الى نيسان أو ربما أكثر. فالحرب الطويلة هذه مرتبطة كما بات معلوماً بقرار إسرائيلي اتخذ بالقضاء على “حماس”، مرتبطاً بمشروع ضمني وهو عملية تهجير الفلسطينيين، الا أن لبنان المتأثر بأحداث غزة يعيش يومياتها خصوصاً أبناء القرى الحدودية في الجنوب الى أن بدأت الضربات الاسرائيلية تمتد الى عمق الجنوب متجاوزة قواعد الاشتباك ضاربة عرض الحائط بالقرار ١٧٠١، لتطال بثلاث غارات بلدة كوثرية السياد، ولم يقتصر الأمر على ذلك، بل تعداه وطال العاصمة اللبنانية تحديداً الضاحية الجنوبية لبيروت والتي تمثل المعقل الرئيس لـ “حزب الله”، حين أقدمت اسرائيل على اغتيال صالح العاروري الرجل الثاني في حركة “حماس”، والذي عرف عنه بأنه رجل المهمات الصعبة.

هذه الواقعة وحدها كانت كفيلة بإثارة الخوف في نفوس كل اللبنانيين من احتمال توسعة رقعة الحرب، اذ بعد مقتل زعيم “حماس” البارز، أصبح المشهد أكثر سوداوية، ومن هذا الحدث المفصلي في أحداث غزة، أصبحت الكرة في ملعب الأمين العام لـ “حزب الله”، الذي أصبحت الفرصة سانحة أمامه لتوحيد الساحات أقله ساحة الجنوب.

سيناريو الاغتيالات هذا كانت أعلنت عنه إسرائيل وتعتبره المرحلة الثالثة من حربها على غزة، لكن ما لم تعلنه أن الاغتيالات لن تقتصر على قادة “حماس” بل بدأت تطال قياديي “حزب الله” في أكثر من منطقة، من الناقورة الى خربة سلم.

إسرائيل الواضحة في استهداف قادة “حماس” أينما كانوا وهي مستعدة للأعمال الانتقامية على ما يبدو، يقابلها موقف هادئ ومعتدل لـ “حزب الله” ومعه ايران، اللذين يدركان تماماً أن ردهما قد يغير شكل هذه الحرب ومصير الحزب.

لكن السؤال الكبير بعد تدهور الوضع والخرق الاسرائيلي لكل القواعد والقوانين، هل سيكون هناك رد أم أن الأمور في لبنان ستبقى ممسوكة؟

في خطابين له بعد اغتيال العاروري، واللذين حظيا بمتابعة واسعة في لبنان والمنطقة كون الكثير من المحللين توقعوا أن يتضمن إعلاناً عن خطوات تصعيدية للرد على عملية الاغتيال، اكتفى نصر الله باعتبار الجريمة كبيرة، ولن تبقى من دون رد وعقاب، وقال: “نحن حتى الآن نقاتل في الجبهة بحسابات مضبوطة ولذلك ندفع ثمناً من أرواح شبابنا… الحرب معنا ستكون مكلفة للغاية. فاذا شُنت الحرب على لبنان، فإن مقتضى المصالح اللبنانية الوطنية أن نذهب بالحرب إلى الأخير من دون ضوابط”.

واعتبر محللون أن كلام الأمين العام لـ “حزب الله” جاء دون توقعات جمهوره، مذكرين بتهديده لاسرائيل بأنها لو نفذت عمليات اغتيال داخل الأراضي اللبنانية، فإن رد الحزب سيكون غير مسبوق، لكن في المقابل فإن نصر الله حفظ لنفسه خيار الرد في الوقت المناسب. ورأوا أيضاً أن شكل الخطابين وهدوء نصر الله خلالهما كانا رسالة الى الداخل اللبناني أولاً، بأن جبهة الجنوب هي في ما تقوم به جبهة مساندة لغزة، ولن تكون منطلقاً لأي عمل عسكري ضخم أو خط مواجهة مباشرة، كما أنهما شكلا رسالة للاسرائيليين أيضاً أن الحزب مستعد للمواجهة لكن وفقاً لشروطه وليس لشروطهم.

“حزب الله” الذي قام بتوجيه ٦٢ صاروخاً كرد أولي على اغتيال العاروري، يعرف تماماً أن الاحتدام الميداني يطبع مستجدات الجبهة الجنوبية مع العدو الاسرائيلي، وهو ما اعتبره النائب محمد رعد السبب الرئيس لمجيء الموفدين الى لبنان، اذ حسب قوله فإن إسرائيل التي خابت آمالها في غزة وفي لبنان، تسعى عبرهم الى أن تفتح باب المباحثات وتداول الرؤى حول ما بعد إنهاء هذه الحرب، لكن موقف الحزب واضح وصريح بأن لا بحث في أي أمر من الأمور التي يطرحها الموفدون، إلا إذا نجحوا في الضغط على إسرائيل من أجل أن توقف عدوانها على غزة ولبنان.

عرضت اسرائيل على الموفد الأميركي آموس هوكشتاين إبعاد “حزب الله” عن جنوب الليطاني، لكن تبين فيما بعد أن الهدف المباشر هو اخراج الحزب نهائياً من اطار معركة غزة، وبحسب المعلومات فإن صُلب الرسائل التي حملها الموفدون معهم الى لبنان قائمة على أساس تحييد جبهة لبنان. كما أن الأميركيين يحاولون فرض تسوية حدودية طرحها هوكشتاين في تل أبيب خلال زيارته الاخيرة لها، قائمة على أساس تكرار تجربة ترسيم الحدود البحرية، لانسحابها على الحدود البريّة أيضاً، بما يضمن الالتزام بإتفاق ترعاه واشنطن، بمباركة ايرانية.

في ظل كل ما يحصل في لبنان وبعد خطابين للأمين العام لـ “حزب الله”، البلد على موعد مع تطورات كثيرة ستشكفها الأيام القادمة، ان كان في الميدان أو في زيارة الموفدين والتي يندرج تحتها موضوع المفاوضات وعنوانه “لا للحرب”. ومع متابعة جميع الأطراف للشروط والردود والرسائل، إسرائيل لا تزال تستعمل ميدان غزة للضغط من خلاله وتسخين جبهة الجنوب، علها تستخدمها في تحسين شروطها، لكن الحزب الملتزم والمرتبط بالأجندة الايرانية، ينظر أيضاً من العين اللبنانية التي لا يحتمل وضعها الداخلي أي ضربة، والتي يأخذها نصر الله في الاعتبار كما قال في خطابه الأخير.

شارك المقال