الأردن على أعصابه والجمل في جنازة العاروري!

أنطوني جعجع

بعيداً مما يجري في غزة والبحر الأحمر، ثمة أمور مريبة تأخذ مكانها في الخليج والأردن الذي خرج فجأة بموقف سياسي – أمني لافت، مذكراً العالم بأنه كان أول من حذر من “خطورة التمدد الايراني في المنطقة”، وخرجت معه دولة الامارات لتعلن اعتقال شبكة من ٨٥ عنصراً كانوا يحاولون تشكيل تنظيم سري في البلاد لحساب “الاخوان المسلمين”، بالتزامن مع حال استنفار غير معلن في صفوف الجيش السعودي القلق من تصاعد التحديات الحوثية في الجوار.

وهنا لا بد من السؤال، ماذا دفع الأردن الى التصويب نحو ايران، ومن يحرّك “الاخوان المسلمين” في الخليج؟

مصادر سياسية قريبة من دوائر القرار في عمان، ذكرت أن هذا الموقف جاء بعد سلسلة اشتباكات بين الجيش الأردني ومسلحين يتسللون من سوريا في ثياب مهربين مدججين بالسلاح والمتفجرات ليتبين أنهم عناصر يديرهم “الحرس الثوري الايراني” وحلفاؤه في محور الممانعة.

وأضافت: ان مهمة هؤلاء، ليست تجارية، بل أمنية بامتياز وتهدف الى تحريك الشارع الأردني، وتحديداً المجتمع الاسلامي المتطرف منه، للانقضاض على النظام، وتحويل الأردن الى جبهة “اسناد” تكون نسخة عن جبهة “الاسناد” التي يديرها “حزب الله” من جنوب لبنان والجولان.

وذهبت المصادر بعيداً الى حد القول ان ايران تحاول تجنيد دول الطوق، وتحديداً الأردن، واستقطاب المسلمين السنة حيث تستطيع، وتعبئتهم ضد إسرائيل أو أميركا أو أي نظام عربي أو اسلامي معاد، اما عسكرياً كما يفعل حلفاء ايران في فلسطين، أو كما فعلوا في السعودية عبر اليمن، واما سياسياً كما حاول “حزب الله” أن يفعل في بيروت عندما تقصد مرور جثمان نائب رئيس حركة “حماس” صالح العاروري في عرين السنة، أي طريق الجديدة، في محاولة لكسب تعاطف السنة اللبنانيين المعروفين بأنهم أكثر العرب تعاطفاً مع القضية الفلسطينية وأكثرهم تضحية والتزاماً.

والواقع أن “حزب الله” الذي يعرف تاريخ بيروت ولبنان جيداً، أراد العودة بالذاكرة الى أواخر ستينيات القرن الماضي عندما زحف السنة من القاعدة الى القمة خلف جثمان خليل عز الدين الجمل، أول لبناني يسقط شهيداً برصاص الجيش الاسرائيلي في معركة الكرامة الشهيرة، وهي الجنازة التي كانت أولى محفزات الحرب اللبنانية في شقيها المحلي والاقليمي.

هذا في الشكل، لكن في المضمون، يقول مصدر أردني مطلع ان ما تخطط له ايران لن يمر، محمّلاً الرئيس السوري بشار الأسد المسؤولية عن التراخي غير المسبوق عند الحدود السورية – الأردنية. في حين أكد مصدر مطلع في بيروت، أن السنة اللبنانيين لن ينجروا الى أي استراتيجية تديرها ايران أو يحركها “حزب الله”، معلناً أنهم يلتزمون القرار العربي العام، حتى اذا ذهب العرب الى الحرب ذهبوا معهم الى الحرب واذا ذهبوا إلى السلام ذهبوا معهم الى السلام.

ومن الأردن ولبنان الى الخليج، لا تبدو أصابع ايران بعيدة من “الخلية الأخوانية” التي وقعت في قبضة الامارات، وهي الخلية التي تردد أنها كانت في صدد تشكيل تنظيم سري يعمل على نسف اتفاق التطبيع القائم بين أبو ظبي وتل أبيب من جهة، واقامة موطئ قدم للنفوذ الايراني في قلب الخليج من جهة ثانية، وتوجيه ضربة الى النفوذ العسكري الأميركي الذي يتعرض لحملة ايرانية متدرجة تستهدف قواعده في كل من العراق وسوريا من جهة ثالثة.

وثمة هدف ثالث وراء تحرك “الاخوان المسلمين” نحو دولة الامارات، وهو الرد على ما تردد عن صواريخ أطلقت من أبو ظبي والرياض لضرب المسيرات والصواريخ التي أطلقها الحوثيون نحو اسرائيل، وهذا ما ألمح اليه حسن نصر الله في خطابه الأخير عندما تحدث عن صواريخ حوثية “وصلت أو لماذا لم تصل” الى أهدافها في الدولة العبرية؟

ومع أنباء عن اعتقال شبكات يديرها “حزب الله” في أميركا اللاتينية و”أخوانية” في أوروبا، وتهدف الى ضرب مصالح اسرائيلية وأميركية في اطار “حملة الضغط” التي تمارس لوقف اطلاق النار في غزة، يرى المراقبون الغربيون أن ايران اختارت “حرب العصابات” ومعارك الاستنزاف التي تجيدها جيداً بدل الحرب الشاملة غير المضمونة، وأعطت “حزب الله” في ما يبدو دور القيادة في هذا المجال سواء في جنوب لبنان أو في أي مكان آخر في العالم.

وما يساعد ايران على اتباع هذه الاستراتيجية بأمان لا بأس به، هو علمها أن أميركا لا تزال ترفض توسيع الحرب الاسرائيلية نحو لبنان، ولا حتى توسيعها في أي مكان آخر من المنطقة، مستفيدةً أو مشاركة في شبكة عالمية تحاصر ادارة الرئيس جو بايدن في بحر الصين، والجبهتين الأوكرانية والكورية الشمالية، اضافة الى انتخابات رئاسية صعبة ومعقدة مع دونالد ترامب.

وأكثر من ذلك، ليس سراً أن ايران تمثل الطرف الأكثر حرصاً على عدم تفجير حرب الجنوب، معتبرة أن الحاجة الى قوة “حزب الله” هي أكثر الحاحاً من الحاجة الى أي قوة أخرى، في وقت يتردد في أوساط المنظومة الأمنية الايرانية، أن “حزب الله قوياً” يعني “ايران قوية”، وأن حسن نصر الله في خير يعني أن الامام الخامنئي في خير.

وتزيد هذه الأوساط مؤكدة أن ايران يمكن أن تتحمل أي انتكاسة في سوريا والعراق واليمن، لكن ليس في لبنان، معتبرة أن بيروت تحولت الى “طهران الثانية” والمدينة الأكثر التصاقاً والتزاماً بالايديولوجيا الثورية الايرانية، والمصنع الأكثر قدرة على انتاج الصواريخ والمسيرات، والمعسكر الأكثر حرية وحرفية في تدريب واعداد المقاتلين الممانعين في صراع ايران مع كل من أميركا واسرائيل وعرب الاعتدال، والخلية الأمنية الأكثر انتشاراً وتنظيماً في معظم أنحاء العالم.

وربما يكون كل هذا المشهد صحيحاً، لكن السؤال البديهي يبقى، الى متى تستطيع ايران التفلت من أي استراتيجية مضادة يقال انها تحاك في الكواليس، خصوصاً أن بعض بوادرها ظهر من خلال القصف الأميركي على قادة “الحشد الشعبي” في بغداد بعد يوم على اغتيال صالح العاروري في بيروت، اضافة الى أنباء عن استعدادات عسكرية دولية للرد على الحوثيين في اليمن، وأجواء أخرى تقدم فرضية الحرب الشاملة على فرضية الهدن الموقتة أو الدائمة؟

وقد يقول قائل ان مثل هذه الردود لا تعني الكثير في العلم العسكري، لكن مراقبين غربيين يعتبرون أن ما جرى في بغداد يؤكد أن اميركا شمرت عن سواعدها من دون أي اكتراث بالاتفاقات المبرمة مع الحكومة العراقية التي لوحت بامكان اغلاق قواعدها في البلاد، ونسفت مسيرات حوثية من دون أي تخوف من أي صدام محتمل مع ايران المنتشرة في البحر الأحمر، وذلك على خط مواز يشهد تحركاً فرنسياً وأميركياً ودولياً لحمل “حزب الله” على التراجع نحو الليطاني اذا كان يريد تجنيب لبنان حرباً مدمرة على غرار ما أصاب غزة.

وخلصت مصادر عربية وغربية الى أن ثمة اعتقاداً يكاد يكون شاملاً، ويتمثل في أن سلوك ايران في العالمين العربي والاقليمي والدولي لم يعد يطاق، وأن الأئمة في طهران لا يمكن أن يهدأوا ما دامت “حماس” قادرة على الصمود في غزة، وما دام “حزب الله” يمثل “الجيش الأبيض” في أيام ايران السود، مشيرة الى أن سقوط غزة، في نظر هؤلاء قد لا يبقى أمراً محرماً، وأن تدمير الضاحية الجنوبية وبيروت، قد لا يبقى خطاً أحمر.

انه الضرب في كل الاتجاهات والمأزق الذي سقطت فيه ايران وأسقطت معها الشرق والغرب سواء طوعاً أو قسراً، لا بل انها الحرب “المرفوضة” التي لا مفر منها مهما تحايل المعنيون أو تحايدوا أو تحاوروا سراً أو علناً.

ويبقى السؤال: من يدوس على اللغم أولاً أو من يرتكب الخطأ الأول الذي يمكن أن يدفعه الى الجبهات تحت شعار “مرغم أخاك لا بطل”؟

شارك المقال