اسرائيل لأول مرة أمام “العدل الدولية” بدعوى جنوب إفريقيا… ولبنان يستهتر

محمد شمس الدين

للمرة الأولى في التاريخ، ستمثل اسرائيل أمام محكمة العدل الدولية في لاهاي، بعد طلب من دولة جنوب إفريقيا إجراء تحقيق فوري في “جرائم الابادة” التي ترتكبها في قطاع غزة. اضافة إلى ذلك تشكل فريق من جمعيات حقوقية وأكثر من 500 محامي، من كل أنحاء العالم بقيادة المحامي الفرنسي جيل دوفير، وتقدم بشكوى أمام النيابة العامة للمحكمة الجنائية الدولية مؤلفة من 56 صفحة تطالب بفتح تحقيق في الوقائع المنسوبة الى جيش الاحتلال في قطاع غزة. من الطبيعي أن يعلو صوت الحقوقيين على خلفية المجازر الاسرائيلية في غزة، ولكن المستغرب أن لبنان، الذي لطالما كان عرضة للاعتداءات الاسرائيلية والحروب التي ارتكبت فيها مجازر مروعة، لم ينضم إلى الفريق القانوني الذي يلاحق اسرائيل، فما السبب؟ النائب السابق غسان مخيبر الذي ترأس في مجلس النواب لجنة عام 2006 جمعت أدلة عن جرائم الحرب الاسرائيلية، أوضح لـ “لبنان الكبير” أن هناك نوعين من الاعتراضات على انضمام لبنان الى معاهدة روما المنشئة لـ”الجنائية الدولية”، بحيث تبين له أن “النوع الأول يسخف القانون الدولي، ويعتبر أن هذه المنظومة وجدت للأقوياء، وأن القانون الدولي مثل شبكة العنكبوت لا يعلق فيها إلا الذباب الصغير، وبالاضافة إلى هذا الرأي هناك خشية من البعض أن تلاحق الجنائية الدولية لبنانيين أيضاً بالاضافة إلى الاسرائيليين، وللمفارقة فان اسرائيل تسخف القانون الدولي أيضاً”. أما الرأي الآخر فيمثله كل من لا يريد إغاظة أميركا، يقول مخيبر، مشيراً الى أن “الولايات المتحدة تضغط على لبنان وغيره من الدول كي لا يشكل إزعاجاً لاسرائيل في الابعاد القانونية الدولية، ولا يؤثر على صورتها، ولا على مصلحة أميركا، التي تضغط على الدول التي تنضم الى الجنائية الدولية لتوقيع اتفاقات ثنائية تحمي الأميركيين من الملاحقة”. بالاضافة إلى ذلك، يرى مخيبر أن “هناك عدم اكتراث لعدد كبير من السياسيين بكل ما يرتبط بالعدالة والعدالة الدولية عموماً”. ويعتبر أن “تضافر هذه المصالح المتناقضة أدى الى إحجام لبنان عن الانضمام الى معاهدة روما المنشءة للمحكمة الجنائية الدولية”، مؤكداً أن “مصلحة لبنان العليا تفرض الانضمام، كما انضم الكثير من الدول، بل السواد الأعظم من الدول انضم، باستثناء أميركا وبعض الدول العربية، علماً أن دولة فلسطين أخذت قراراً جريئاً بالانضمام الى المعاهدة، وهي جزء من المنظومة الجنائية الدولية”. ويذكر مخيبر بأنه اقترح الأمر خلال حرب تموز 2006، عندما جهز، مع عشرات القانونيين داخل المجلس النيابي وخارجه، ملفاً بجميع جرائم حرب اسرائيل على لبنان، بحيث هناك آلية تسمح بإحالة ملف على “الجنائية الدولية”، من دول غير منضمة اليها، “إنما لم تبادر الحكومة ولا حزب الله ولا غيره الى إيصال هذا الملف الى شيء من المتابعة، وهذا مؤسف إن كان على مستوى مصلحة لبنان أو على مستوى مصلحة الانسانية العامة، بأن يكون للقانون الدولي قيمة، لا يمكن حفظها إلا من خلال مؤسسات قضائية دولية يجب مساعدتها على النهوض، وأنا لا أقول انها موجودة وفاعلة، إنما هي شبه معطلة، ولكن إذا لم تقم إدارة أممية جدية كالتي تقودها جنوب إفريقيا والمحامون اليوم، فسيبقى القانون الدولي الانساني نصا ميتا او أداة للأقوياء في وجه الضعفاء”. ويكرر مخيبر دعوته لانضمام لبنان الى “معاهدة روما”، لأنها تشكل أداة قانونية لحماية لبنان بالاضافة الى حماية القانون الانساني الدولي، مشدداً على أن “الملاحقة من جنوب إفريقيا والتجمع الكبير من المحامين الفرنسيين والدوليين تسعى الى إلزام اسرائيل بالمعايير القانونية لمعاهدة جرائم الحرب والانسانية والإبادة، وبالتالي لبنان من مصلحته أن ينضم الى هذه الجهود، إن كان عبر الانضمام الى المعاهدة، أو انضمام المحامين اللبنانيين المتخصصين الى مجموعة المحامين الذين تقدموا بمراجعة ضد اسرائيليين”. من منا لا يذكر مجزرة المنصوري أو قانا، أو مجزرة قانا الثانية أو مروحين؟ بل من منا لا يعرف مجزرة جامع صلحا؟ كلها وغيرها الكثير تعتبر خرقاً كبيراً للقانون الدولي وتوجب المعاقبة الدولية، إلا أن لبنان لطالما استهتر بالشق القانوني الدولي، وربما كان يستطيع الحصول على أحكام بحق اسرائيل، قد لا تردع همجيتها واجرامها، إلا أنها بالتأكيد تؤثر عليها في المجتمع الدولي الذي لطالما كان مسانداً لها.

شارك المقال