ربط جبهة الجنوب بحرب غزة خطير جداً… والزلزال آتٍ!

جورج حايك
جورج حايك

لا يمكن للبنانيين أن يرددوا قول السيد المسيح: “إغفر لهم يا أبت لأنهم لا يدرون ماذا يفعلون”، لأن “حزب الله” يدري ما يفعله على الجبهة الجنوبية بناء على استراتيجية إيرانية بدأت منذ 8 تشرين الأول تزامناً مع عملية “طوفان الأقصى”، وهي فتح جبهات في المناطق التي تنتشر فيها أذرعها العسكرية في اليمن وجنوب لبنان وصواريخ الميليشيات العراقية نحو القواعد الأميركية في سوريا والعراق، والهدف العلني تخفيف الضغط عن “حماس” في غزة، والهدف غير المعلن ابقاء إيران في المعادلة تحسباً لأي تسوية مقبلة في المنطقة.

لكن هذه الاستراتجية أثبتت فشلها بالخط العريض وخصوصاً في جنوب لبنان، ويؤكد الكاتب والباحث في شؤون الأمن والدفاع رياض قهوجي أن “الحزب” التزم بهذه الاستراتيجية التي تقوم على فتح الجبهة مع اسرائيل على نحو مضبوط، معتقداً أنه يعزز الردع ضد اسرائيل من جهة ودعماً لحركة “حماس” من جهة أخرى. وقد أطلق الأمين العام لـ”حزب الله” حسن نصر الله معادلة: أوقفوا الحرب في غزة فتتوقف الحرب في الجبهة الشمالية، إلا أن من الواضح أن اسرائيل وضعت استراتيجية مضادة أفشلت استراتيجية “الحزب” إذ إستمرت أولاً في حرب غزة، وبرهنت ثانياً أن استهداف مستوطناتها في الجبهة الشمالية لن يؤثّر على عزمها وقدرتها على الرد على “الحزب” واستهداف كل المناطق الجنوبية وصولاً إلى بيروت بعد اغتيال القيادي في حركة “حماس” صالح العاروري، وأوصلت رسالة إلى نصر الله بأن ليست هناك ضوابط وخطوط حمر، فضربت داخل المدن وقصفت المدنيين واغتالت قيادات ميدانية، وكأنها تقول لا شيء اسمه ردع من “الحزب”.

ولا شك في أن ما يقوله قهوجي دقيق جداً، فـ”الحزب” أصبح ضحية للسقف العالي الذي حدده نصر الله في كلمته، وهو قال ان لبنان سيصبح مكشوفاً إذا لم يتم الرد على اغتيال العاروري. ويلفت قهوجي إلى أن لبنان أصبح مكشوفاً إذا ردّ أو لم يردّ، واسرائيل لن تتوانى عن ضرب ما تشاء واغتيال من تشاء، ولا يبدو أن استراتيجية الردع قائمة حالياً.

من الواضح أن هناك رغبة اسرائيلية في توسيع الحرب، وكل القيادات الاسرائيلية متفقة على هذا الأمر، ويشير قهوجي إلى أن هناك اختلافاً حول التوقيت، فجزء من هذه القيادات يريد أن توسّع الحرب بإتجاه “الحزب” الآن، وجزء آخر يريد الانتظار ريثما تنتهي حرب غزة.

لكن لا بد من الاعتراف بأن الادارة الأميركية لعبت دوراً في تعطيل مشروع توسيع الحرب نحو لبنان حتى الآن، ويرى قهوجي أن الرهان على خلاف رئيس الحكومة الاسرائيلية بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي جو بايدن ليس في محله كثيراً، لأن الأميركيين يؤيدون عموماً توجيه ضربة الى “حزب الله”، إلا أنهم يقولون بأن الوقت غير مناسب حالياً، ويجب التركيز على “حماس” وإعطاء فرصة للحلول الديبلوماسية في جنوب لبنان، وهذا ما يتمّ العمل عليه في الوقت الحاضر.

أما المرحلة الخطيرة التي سيدخل فيها لبنان، وفق قهوجي، فستكون عند انتهاء حرب غزة أو عند انتقالها من الوتيرة العالية إلى الوتيرة المنخفضة، وهذه المرحلة لم تعد بعيدة، فإسرائيل لم تعد تشن غارات يومية كثيفة على قطاع غزة وقد سيطرت على المناطق التي كانت تريد السيطرة عليها، ودخلت إلى الأنفاق ووصلت إلى مصانع الأسلحة والمخازن ودمّرتها، أي أنها ضربت البنية التحتية العسكرية لـ”حماس”، ومن الآن فصاعداً سنشهد عمليات تثبيت وتطهير وملاحقة قيادات “حماس”.

واللافت أن هذه المرحلة التي أصبحت وشيكة تستوجب قلق اللبنانيين، لأن بإمكان اسرائيل عندها أن ترصد حركة “الحزب” أكثر ومسيّراته في الجبهة الشمالية، ويحدد قهوجي هذه المرحلة الخطرة ما بين منتصف شهر شباط وأوائل آذار.

ليس معروفاً إذا كان “الحزب” بالتنسيق مع إيران مدركاً لخطورة الوضع، ويؤكد قهوجي أن من مصلحة إيران أن لا تفتح الجبهة بل أن تدفع بإتجاه حلّ ديبلوماسي في ما يتعلّق بالجبهة الشمالية. ونسأله: لماذا؟ فيرد: “لأن ايران عندما تخسر على جبهة حماس وتكون قد فقدت قدرتها العسكرية المؤثّرة أي الصواريخ وتصنيعها، ولو بقيت بعض الأسلحة الفردية، لا تعود هناك جبهة في غزة، ويصبح هناك حرص إيراني على جبهة الجنوب اللبناني ومصلحة في عدم خسارة حزب الله أيضاً، إلا اذا اتخذت اسرائيل قرارها بعملية برية بهدف خفض قوة الحزب، علماً أن اسرائيل لو صممت على ذلك، فهي تحتاج إلى تأييد أميركي”.

والمفارقة أن نتنياهو يعرض على المستوطنين في المناطق الشمالية المتاخمة للبنان اغراءات مالية ليعودوا إلى منازلهم، إلا أن عودتهم صعبة، وهذا ما يؤكده قهوجي، معتبراً أن نتنياهو يتعمّد تقديم هذه الاغراءات ليثبت للأميركيين أنهم غير موافقين على العودة حتى بإغراءات مالية، ويبرر توجيه ضربة الى “حزب الله”، وبالتالي هذا مؤشّر سلبي في ما يتعلّق بنوايا اسرائيل حيال لبنان.

عموماً، لا يُطمئن التصعيد في جنوب لبنان، وخروجه عن قواعد الاشتباك، حتى أنه بات يستهدف البلدات الى شمال الليطاني. وحسابات “الحزب” بأن فتحه الجبهة ساعد الشعب الفلسطيني في غزة ليست دقيقة. ويلفت قهوجي إلى أن اشتعال الجبهة الشمالية لاسرائيل، سيوجّه أنظار العالم إلى لبنان وبيروت، فيما تستفيد اسرائيل لتهجير سكّان غزة نحو سيناء وغيرها، وقد تفتعل الدولة العبرية حرباً أوسع ضد “الحزب” لتهجير الفلسطينيين وتنفيذ أجندتها في غزة.

في المحصلة، لا تبدو إيران موفّقة في استراتيجية مشاغلة اسرائيل في جبهات جانبية للتخفيف عن غزة، كما تدّعي، بل أثبتت فشلها. فاسرائيل غير آبهة بأي عملية الهاء من هنا وهناك، وتقوم بما خططت له في غزة، بل من الممكن أن تؤدي الاشتباكات بينها وبين “حزب الله” في الجنوب إلى خطأ يسبّب ضرراً كبيراً لأحدهما ما قد يوسّع الحرب ويُدخل لبنان في زلزال بغنى عنه.

شارك المقال