لم يقلها أبو عبيدة!

عاصم عبد الرحمن

يحيى السنوار، محمد الضيف وأبو عبيدة، اسماعيل هنية، خالد مشعل وأسامة حمدان وغيرهم الكثير من أركان وقيادات “كتائب القسام” وحركة “حماس” في الداخل الفلسطيني وخارجه على الصعيدين العسكري والسياسي، يعكس أداؤهم النضالي صورتين منفصلتين متصلتين على السواء، فهل هناك أكثر من “حماس”؟

يقود اسماعيل هنية ومعه خالد مشعل حركة “حماس” في الخارج وغيرهما وينطق باسمها أسامة حمدان، يتوزعون بين دول عدة حالهم كحال مختلف المنظمات التحريرية وحركات المقاومة في العالم التي تواجه الاحتلال والاستعمار وتخضع للمطاردة ومحاولات الاغتيال والتصفية. بعد خروج اسماعيل هنية من قطاع غزة تولى القيادي الأكثر غموضاً والملقب بـ “الرجل الميت” يحيى السنوار الخارج من السجون الاسرائيلية ضمن صفقة تبادل للأسرى بعد 23 عاماً من الأسر، قيادة “حماس” في الداخل ومعه انتقل العمل النضالي في الحركة إلى مرحلة جديدة قوامها الغموض والسرية رافعاً شعار “قليل من الكلام كثير من الأفعال”، فالرجل الذي لطالما جلس إلى يمين مؤسس الحركة الشهيد أحمد ياسين أسس جهاز مكافحة الجواسيس في صفوفها. غموض طبع مسار عملية “طوفان الأقصى” التي يرى البعض أنها لم تكن مفاجئة لمحور الممانعة فحسب، بل حتى قادة “حماس” الخارج صُعقوا بانفجارها ليل 7 تشرين الأول 2023.

قد يعتبر البعض أن صوم السنوار عن الظهور مرده الحذر من الاستهداف الاسرائيلي، إلا أنَّ مَنْ بنى مدينة من الأنفاق هزت عرش إسرائيل لا يخشى الموت الذي يرغب فيه استشهاداً على طريق الأقصى، على العكس من اسماعيل هنية الذي يخرج عند كل مناسبة مخاطباً الفلسطينيين والعالم. أما القيادي أسامة حمدان فيظهر في موعد شبه أسبوعي ليوجز آخر ما وصل إليه العدوان الصهيوني على قطاع غزة متناولاً مختلف الأحداث السياسية والعسكرية ذات الشأن، ولا شك في أن الكثير من الجمهور العربي والعالمي ينتظر ما سيقدمه إعلامياً خصوصاً وأنه يعرض صوراً وفيديوهات ويتوجه الى الرأي العام الاسرائيلي والغربي، إلا أن الموعد الذي يضربه الناطق الاعلامي باسم “كتائب القسام” أبو عبيدة يملأ الدنيا ويشغل الناس، فالكوفية التي تلثم وجهه وفصاحته في الأداء اللغوي والحجج القوية التي يصفع بها الرواية الاسرائيلية العسكرية أسرت قلوب الأمة العربية وكثر حول العالم وفق ما تظهره وسائل التواصل الاجتماعي.

أسامة حمدان يختتم خطابه في كل مرة بالتوجه بجزيل الشكر إلى الأخوة في “حزب الله” اللبناني وأنصار الله الحوثيين في اليمن والأصدقاء المقاومين في العراق، متوجاً بين الحين والآخر كتاب الشكر بكلمات الامتنان والعرفان بالجميل للقيادة في إيران.

أبو عبيدة لا ينفك يستعرض إنجازات “كتائب القسام” في مواجهة العدو الاسرائيلي بالأرقام والصوت والصورة، لكن ما يثير الاهتمام في خطاب الملثم منذ انفجار عملية “طوفان الأقصى” هو عدم ذكره القيادة الايرانية ولا حتى التلميح ولو ببضعة حروف إليها، وحين يتكرم امتناناً يوجه تحية إلى الأخوة أو المقاومة في لبنان واليمن كحد أقصى من دون ذكره لـ “حزب الله” أو “أنصار الله”.

يرد البعض هذا التمايز بين أبي عبيدة وأسامة حمدان إلى رغبة قسامية واضحة في فك ارتباط الحركة بالقيادة الايرانية على اعتبار أنها باتت شبه مستقلة بتمويلها وتسلحها عن أطراف المحور، فالتمويل بات قطرياً بأرقام ضخمة ناهيك عن الأسلحة المصرية التي تزودت بها أيام الرئيس الراحل محمد مرسي، وهي الآن تستعين بخبرات عالم عراقي وآخر تونسي وفق مصادر فلسطينية لـ “لبنان الكبير”، فـ “القسام” اليوم تتجه نحو مشروع وطني فلسطيني عربي تحريري مقاوم بعيداً من مختلف الحسابات غير الفلسطينية.

خطابان منفصلان إذاً لكِلا القياديَيْن في حركة “حماس” و”كتائب القسام” على الرغم من وحدة المشروع والأهداف، الأول في الخارج والآخر في الداخل، وعلى عكس الأحزاب والمنظمات يبدو أن القرار السياسي والعسكري وكل ما يتعلق بحركة “حماس” هو لقادة الميدان حيث يكتب العسكري ويقرأ السياسي وهو ما كان جلياً في خطاب اسماعيل هنية يوم حذر من مغبة انعقاد أي تسوية خارج إطار الاتفاق مع “حماس” ليأتي الحسم سريعاً على لسان أبي عبيدة الذي تجاهل الخطاب، مؤكداً منبر الميدان خطيباً وحيداً في كل مناسبة.

يبدو واضحاً أن هناك فصيلاً مقرراً في حركة “حماس” ليس على ما يرام في علاقته بمحور الممانعة، وهو ما تمثل في محاولات السيد حسن نصر الله العديدة والفاشلة لرأب الصدع بين الحركة والنظام السوري على خلفية الحرب الدائرة في سوريا منذ العام 2011.

قال زاهر جبارين الممول الرئيس لحركة “حماس”: “إن إسرائيل تحاول الخلط بين التفاح والبرتقال، كتائب القسام لها علاقاتها الخاصة بعيداً من الجناح السياسي”. واقع يعبّر إذاً عن تزايد شعبية “كتائب القسام” و”حماس” الداخل على حساب “حماس” الخارج التي لها حساباتها السياسية المصلحية.

شارك المقال