أسرار البحر الأحمر

لينا دوغان
لينا دوغان

تعددت الأسباب حول تسمية البحر الأحمر، الا أن أكثرها شيوعاً هي أن الشمس وقت الغروب يكون لونها أحمر فينعكس على البحر الذي يصبح لونه كلونها، وآخر يقول إن الشعب المرجانية الكثيرة داخله والتي يغلب عليها اللون الأحمر، تعطي البحر هذا اللون.

هذا البحر الأكثر ملوحة على سطح الأرض، يحمل في أعماقه الى جانب المرجان الجميل بكل أشكاله، أكثر من ١٥١ نوعاً من الأسماك الغريبة.

لكن أسرار هذا البحر لا تقتصر على تفرده بأجمل الكائنات البحرية وحسب، فهو ينفرد أيضاً بموقع جغرافي متميز يضفي عليه أهمية جيوستراتيجية، بحيث يتوسط جناحي العالم العربي ويربط المحيط الهندي وخليج عدن وبحر العرب بالبحر الأبيض المتوسط وتقع شماله قناة السويس أهم ممر ملاحي في العالم، فهو شريط مائي بحري يفصل بين الجزيرة العربية وشرق إفريقيا، ويصل بين القارات الثلاث: آسيا وإفريقيا وأوروبا، وهذا ما يجعله ممراً للمواد الخام لأوروبا والولايات المتحدة والغرب والصين واليابان وغيرها من دول العالم، ويتم عبره تصدير المنتجات الصناعية إلى آسيا وإفريقيا وأستراليا، لذلك أصبح البحر الأحمر النقطة التي تتلاقى فيها، مصالح وأهداف مجموعة كبيرة من الدول المحلية والاقليمية والعالمية ذات القدرات الاقتصادية العسكرية والسياسية المتنوعة.

غالبية الدول المطلة على هذا البحر عربية، باستثناء اسرائيل واريتريا، لذا لا تتوقف أهمية البحر الأحمر على كونه ممراً، بل تتخطاه ليصبح معبراً رئيساً لتصدير نفط الخليج إلى الأسواق العالمية، كما أنه المنفذ البحري الجنوبي لاسرائيل والرابط الأساس بين التجارة لكل البلدان المحيطة به وغير المحيطة، ومن هنا وصل الى مكانته الكبيرة في الجغرافيا السياسية والجغرافية الاستراتيجية.

ومن أسرار البحر الأحمر أن أهميته تبرز بشدة إبان الحروب والأزمات، وهذا ما يتبين عند كل مفترق تعيشه المنطقة.

في حرب غزة دار الحديث عن توحيد الساحات، ففتحت جبهة جنوب لبنان وهي حتى الآن ضمن أو أكثر بقليل قواعد الاشتباك، وكان لجبهة العراق دور أيضاً في هذه الساحات، وعمد الحوثيون الى فتح جبهة البحر الأحمر بعد أن حذروا من أنهم سيستهدفون جميع السفن المتجهة الى اسرائيل بغض النظر عن جنسيتها. كما وجهوا انذاراً الى جميع شركات الشحن العالمية بعدم التعامل مع الموانئ الاسرائيلية، وبدأوا بتنفيذ عدة هجمات بالاستيلاء أولاً على سفينة بريطانية وهاجموا بطائرات مسيرة سفناً اسرائيلية وأصابت صواريخهم ناقلات من دول أخرى، كما قاموا بقطع الطريق أمام السفن الاسرائيلية ليوقفوها ويستولوا عليها أو يجبروها على الالتفاف، الذي لم يقتصر على السفن الاسرائيلية، إذ بدأت سفن وناقلات عديدة بتغيير مسارها.

وهكذا استفادت جماعة الحوثي من الموقع الجيوسياسي الذي تتحكم به في مضيق باب المندب وما حوله، في الظهور بمظهر المناصر للمقاومة في غزة، الى أن اتخذ القرار فشنّت كل من الولايات المتحدة وبريطانيا ضربات على أهداف في مناطق خاضعة لسيطرة المتمرّدين الحوثيين في اليمن، لترد جماعة الحوثي وتؤكد أنها مستمرة في منع السفن الاسرائيلية أو المتجهة إلى فلسطين المحتلة، مهما كان العدوان الأميركي والبريطاني على اليمن.

وهذا ما أكده الأمين العام لـ “حزب الله” بأن استهداف الحوثيين للسفن المرتبطة بإسرائيل أو المتجهة إليها سيستمر، على الرغم من الضربات الأميركية والبريطانية، مشيراً الى أن ما فعله الأميركي في البحر الأحمر سيضر بأمن الملاحة البحرية كلها حتى السفن غير الاسرائيلية، لأن البحر الأحمر صار ساحة قتال وصواريخ ومسيرات وبوارج.

ومع أن ليس من مصلحة أحد استمرار التوتر في البحر الأحمر وعلى رأسهم الولايات المتحدة وعدد من الدول الساعية الى تهدئة التوتر، الا أن الحوثيين ومعهم “حزب الله” مستمرون في عملياتهم إن على جبهة الجنوب أو في البحر الأحمر لتحقيق هدف واحد كما يقولون وهو وقف الحرب على غزة، على الرغم من التهديدات لجماعة الحوثي والمبعوثين الذين أُرسلوا الى لبنان لوقف الأعمال على الجبهة الجنوبية والا فإن اسرائيل ستشن حرباً على لبنان!

والسؤال: حرب غزة الى متى؟ وماذا ينتظرنا بعد من الساحات الأخرى؟ لغز جديد ربما يحمله البحر الأحمر في أمواجه وأسراره.

شارك المقال