القصف الايراني والرد الباكستاني… هل يشعلان حرباً بين الدولتين؟

محمد شمس الدين

بعد القصف الايراني داخل باكستان، ردت الأخيرة بقصف داخل إيران، أو على الأقل هكذا تقول كل من الدولتين، ولكن في الحقيقة، أن الاستهدافات حصلت ضد انفصاليين في منطقتي سيستان وبلوشستان، “جيش العدل” و”جيش تحرير بلوشستان”، وكلا الدولتين لديهما مشكلات مع هذه الجماعات وتصنّفانها بأنها ارهابية.

يجمع معظم المحللين في شؤون النزاعات على أن هناك اتفاقاً بين طهران واسلام اباد، على الرغم من الخصومة الظاهرة، على انهاء حركات التمرد في اقليم بلوشستان، التي تضر بالبلدين، ولعل أبرز دليل على ذلك هو ما قالته وزارتا خارجيتهما، عن أن ادارة كل دولة أبلغت الاخرى بالضربات قبل تنفيذها.

جيش تحرير بلوشستان هو منظمة عسكرية يقع مقرها في أفغانستان، تصنّفها باكستان بأنها منظمة أرهابية منذ العام 2004، بعدما شنت المنظمة كفاحاً مسلحاً ضدها من أجل تقرير حق المصير لبلوشستان واستقلالها عن باكستان.

يقول هذا الجيش إن أهدافه هي: استقلال إقليم بلوشستان عن باكستان، والمطالبة باستثمار موارد اقتصادية أكبر في المنطقة، والتوقف عن استغلال الموارد الطبيعية للاقليم.

واكتسب التمرد البلوشي أهمية متزايدة بعد دخول الصين على خط الاستثمار في الاقليم، بحيث ترى الحركات البلوشية أن الاستثمار الصيني ليس إلا مجرد احتلال وسرقة لموارد المنطقة، ولذلك ركز “جيش بلوشستان الوطني” وغيره من الحركات البلوشية على استهداف المشاريع والعمال والمصالح الصينية في بلوشستان ومناطق أخرى.

ويروّج قادة الحركات الانفصالية البلوشية رواية مفادها أن الجيش الباكستاني “يحتل إقليم بلوشستان، ويسرق موارده الطبيعية أو يوزعها بطريقة غير عادلة”، بالاضافة إلى “التمييز، وإعطاء الوظائف والمناصب للعرقيات الأخرى التي تسكن بلوشستان، وتهميش السكان البلوش الأصليين”.

وتقوم ايديولوجية “جيش بلوشستان الوطني”، وفي الغالب جميع الحركات البلوشية، على القومية الانفصالية خصوصاً، مع الاعتقاد بأن العرقية والهوية البلوشية تسبقان أي اعتبارات دينية.

ذاع صيت “جيش تحرير بلوشستان” على الملأ لأول مرة في صيف 2000، بعد تبنّي المنظمة سلسلة من التفجيرات، وفي 2006 أعلنتها إرهابية الحكومتان الباكستانية والبريطانية، وكانت معروفة آنذاك بـ”جيش بلوشستان الجمهوري”.

في العام 2022 اندمج كل من “جيش بلوشستان الجمهوري” و”جيش بلوشستان المتحد” تحت اسم “جيش بلوشستان الوطني”؛ للمطالبة باستقلال أكبر لاقليم بلوشستان عن باكستان.

أبرز عملياته الأخيرة بعد التوحيد هي هجوم لاهور في كانون الثاني 2022 الذي أسفر عن مقتل 3 أشخاص وإصابة أكثر من 20 آخرين. وفي شباط من العام نفسه نفذت الحركة سلسلة من الهجمات في منطقتي بانجور وناوشكي، بمساعدة حركات بلوشية أخرى استهدفت فيلق الحدود الباكستانية في بلوشستان.

أما “جيش العدل” فهو منظمة وجماعة معارِضة إسلامية “سنية” في سيستان وبلوشستان في إيران. بدأت نشاطها بعد أشهر من إعدام عبد الملك ريغي زعيم حركة “جند الله” البلوشية عقب اعتقاله، وتصنّفها ايران بأنها ارهابية.

تقول حركة “جيش العدل” إنها “تقاتل القوات الايرانية لاستعادة حقوق المسلمين السنة في البلد”، وتتهم السلطات الايرانية “بممارسة مخططات ثورية طائفية في الاقليم وباقي المناطق التي يقطنها المسلمون السنة”.

وتحدد الحركة أهدافها بـ: رفع راية التوحيد وإخراج كل مظاهر ما تصفها بالشرك من جميع الأراضي البلوشية في بلوشستان الغربية من إيران، ضرب الآلية العسكرية الايرانية وإضعافها في جميع أرجاء بلوشستان، وإرباك النظام الايراني وإشغاله داخلياً، الدفاع عن أهل السنة في مختلف دول العالم، إرجاع حقوق البلوش المسلوبة من سلطات طهران: حقوق المواطنة، حقوق الأرض، الكرامة، حقوق الانسان، ثروة البلاد المسلوبة وجوع الأهالي.

وشنت الحركة هجمات متعددة ضد السلطة الايرانية، فأعلنت في 2013 مسؤوليتها عن هجوم أسفر عن مقتل 14 من حرس الحدود الايراني، وفي 2017، نصبت كميناً للحرس الايراني أسفر عن مقتل 9 منهم، وفي 2018، تبنت التفجير الانتحاري في مدينة جابهار الايرانية الذي أسفر عنه مقتل 44 شخصاً، كما نفذت 3 عمليات عام 2019، أحدها تفجير انتحاري استهدف حافلة تقل أفراداً من الحرس الثوري الايراني ما أسفر عن مقتل 27 شخصاً.

تستبعد التحليلات العسكرية والاستراتيجية أن تؤدي هذه الضربات والعمليات الى تصعيد بين ايران وباكستان، بل على العكس ستزيد التعاون بينهما، لا سيما في الشق الأمني، فعدا عن المصلحة المشتركة في هذا الأمر هناك مصلحة الصين التي ترعى البلدين، والتي لن تقبل باضطراب يهدد حليفيها.

شارك المقال