ايران “المكشوفة”… ابحثوا عن أهل البيت!

أنطوني جعجع

هل انتقلت اسرائيل من قرار الوصول الى القيادة عبر تدمير القاعدة، الى قرار تدمير القيادة للوصول الى القاعدة؟

يطرح هذا السؤال نفسه، مع سقوط الرؤوس الكبيرة في كل من “الحرس الثوري” و”حزب الله” في عمليات اغتيال دقيقة تستند، حسب مصادر عسكرية مواكبة، الى خرق خطير غير مسبوق يكاد يجعل أي مسؤول ممانع هدفاً ممكناً أو حتى حتمياً، سواء في دمشق أو بيروت أو بغداد أو صنعاء وحتى طهران نفسها.

والواضح أن هناك استراتيجية جديدة يبدو أن اسرائيل قررت اتباعها بالتعاون مع الولايات المتحدة، وتتمثل في افهام ايران أن لهما أيضاً أذرعاً فاعلة يمكن استخدامها غب الطلب، على غرار ما حدث في الضربة التي وجهتها باكستان الى العمق الايراني، وفي تحريك الورقة الكردية المسلحة، وتعزيز الوجود الأمني الاسرائيلي في أذربيجان المجاورة، والتلويح بتحريك الحرب الأهلية في اليمن، اضافة الى تشكيل قوة بحرية حربية قبالة السواحل الايرانية هي الأكبر منذ انتهاء الحرب الباردة .

والواضح أيضاً أن هناك استراتيجية أخرى وتتمثل في اغتيال القيادات العسكرية المخضرمة والقادرة على ادارة الحروب بمهنية عالية تماماً كما حدث في “حرب تموز” حيث كان للعنصر القيادي التأثير الأكبر في تغيير معادلات المعركة، وذلك تمهيداً لما يتردد على نطاق واسع عن حرب برية تعد لها اسرائيل في جنوب لبنان.

وكشفت مصادر أمنية مطلعة أن اسرائيل تعلمت في غزة أن الحرب البرية التي تخوضها مع ميليشيات عقائدية تختلف تماماً عن تلك التي تخوضها ضد جيوش نظامية، مشيرة الى أنها باتت على اقتناع راسخ بأن حرب العصابات يجب أن تقابل بحرب عصابات مماثلة.

والواضح من خلال الاغتيالات التي تطاول الرؤوس القيادية الكبيرة، أن اسرائيل التي أبطأت زحفها البري المكلف في غزة وحدت من النزيف اليومي في صفوف جنودها وضباطها، انتقلت الى الحرب التي تجيدها جيداً أي حرب الاستخبارات والعمليات النوعية والانتقائية والاستباقية تماماً كما حدث في حي المزة حيث أسقطت خلية قيادية ايرانية – لبنانية – فلسطينية قيل انها كانت تضع خطط الاستعداد لحرب شاملة على الحدود اللبنانية – الاسرائيلية، اضافة الى كيفية ادارة المواجهة القائمة مع الأميركيين في العراق والبحر الأحمر.

وأضافت المصادر: “ان حالاً من القلق تسود دوائر القرار في كل من طهران والضاحية الجنوبية حيال الخرق الفاضح الذي طاول محور الممانعة عن آخره، ونقل حرب الساحات ضد اسرائيل الى حرب اسرائيل في عمق هذه الساحات”، لافتة الى أن أكثر الخروق فداحة تظهر في سوريا المشرذمة التي يقف نظامها في منطقة رمادية لا يقاتل فيها اسرائيل ولا يناصر ايران.

وتقر أوساط قريبة من خط الممانعة، بأن حالاً من الارتباك والشكوك المتبادلة تسود كل مفاصل هذا المحور، وأن حملة رصد واسعة انطلقت لتحديد مكامن الخروق ومشغليها، تحت شعار: الكل متهم حتى اثبات العكس، مؤكدة أن ايران باتت مهتمة بكشف العملاء حتى داخل البيت الواحد أكثر من اهتمامها بقتل الأعداء.

وثمة أمر آخر يربك محور الممانعة، وهو حجم الخسائر القيادية التي يتكبدها وطبيعة الرد الذي لا يتجاوز اطلاق بضعة صواريخ من هنا وهناك، وهو رد بدأ يثير نقمة لا بل خيبة في أوساط البيئة التي راهنت على ايران في اطار الصراع مع اسرائيل والولايات المتحدة.

وقد برزت هذه الخيبة لا بل هذا التحول في وسائل الاعلام العربية التي بدأت حملة تشكيك بنيات ايران، متهمة اياها بجر العرب والفلسطينيين الى حرب نفوذ عبثية بينها وبين الأميركيين، ومحمّلة اياها المسؤولية عما أصاب ويصيب غزة وأهلها من مجازر ودمار.

وأكثر من ذلك، بدأت ايران تدفع ثمن عداواتها التي انفجرت دفعة واحدة، بدءاً بملفها المزمن مع الأكراد مروراً بصراعها مع السنة في كل من العراق وسوريا والبحرين، ومع عرب الاعتدال في الخليج، وتحدياتها مع كل من اسرائيل والولايات المتحدة، ومنافساتها الاقليمية مع تركيا، وصولاً الى أوروبا التي تعاني من خلاياها النائمة ومن أسلحتها التي دخلت على خط الحرب الأطلسية – الروسية في أوكرانيا، وانتهاء بالجار الباكستاني صاحب “القنبلة النووية السنية”، اضافة الى المناوشات الموسمية مع الجار الأفغاني.

والواضح أيضاً أن ايران تدرك أن حجم الضربات التي تتلقاها سواء من اسرائيل أو الولايات المتحدة لم يعد يحتمل أي رد لا يكون في حجم حرب شاملة وهو ما تحاول تفاديه بكل السبل المتاحة، خصوصاً بعد دخول الأميركيين على خط الصراع العسكري في البحر الأحمر والعراق وسوريا، وبعد الوصول الى اقتناع راسخ بأن الحرب التي بدأتها حركة “حماس” وتلقفها “حزب الله”، لا تريد اسرائيل انهاءها.

والواضح أيضاً، أن ايران لم تكن تتوقع أن تطول الحرب الى هذا الحد، وأن تتحمل اسرائيل كل هذه الخسائر، ولم تكن تتوقع أن يصل بها الأمر الى الاختيار بين أمرين: اما خسارة غزة أو على الأقل خسارة حكم “حماس” في غزة، واما تهميش النظام في أسوأ الأحوال أو لجمه في أفضل الأحوال.

وقد برز هذا الواقع من خلال الشروط الثلاثة التي وضعتها “حماس” لاطلاق المزيد من الرهائن، وهي وقف الحرب نهائياً، وانسحاب الجيش الاسرائيلي من غزة، وبقاء الحركة في الحكم.

وعلق مصدر مطلع على مسار الحرب في القطاع المدمر قائلاً: “لا يمكن لأي طرف أن يتقدم بمثل هذه الشروط، الا اذا شعرت ايران بأن الأمر ماضٍ الى حسم عسكري يعقبه حل سياسي لن تكون الطرف الذي تضع شروطه ولا الشريك الذي يستحق التفرد به”.

وأضاف: “ان العالم العربي في معظمه بات في مكان آخر، أي في المكان الذي يخيّر اسرائيل بين القلق الدائم والسلام الدائم، بدلاً من الاستراتيجية الايرانية التي تخيّرها بين الموت والبحر، وهو ما برز فعلاً في المواقف التي طالبت بتعزيز السلطة الفلسطينية سياسياً ومادياً، واحياء فكرة التطبيع في مقابل حل الدولتين.

وسط هذه الأجواء، لا بد من السؤال ماذا يمكن أن تفعل اسرائيل بعد كي تجر ايران اما الى الحرب الشاملة واما الى وقفها في غزة ومنعها في جنوب لبنان؟ وماذا يمكن أن تفعل أميركا كي تجرها اما الى الحرب المباشرة في البحر الأحمر واما الى تفكيك الألغام التي زرعتها في البحر والبر بدءاً من طهران حتى المتوسط؟

وأكثر من ذلك، ماذا يمكن أن تفعل ايران حيال واقع محرج لا تستطيع فيه حماية رجالها ولا تخاطر بجرهم الى الحرب؟

حتى الآن، تمتنع ايران عن تحديد خياراتها أو على الأقل تغيير مساراتها اما لثقة لديها بأن النصر ممكن، واما لرفضها التراجع من منطلق لا يحمل الحد الأدنى من المكاسب العسكرية الوازنة.

وحتى الآن أيضاً، ترفض ايران الاعتراف بأنها تتصارع الآن مع بعض حلفائها نتيجة ارتكابات غير مدروسة كما حدث مع العراق و”حماس”، ومع رئيس أميركي متعثر يعرف أن الناخبين لا يسقطون رئيسهم في زمن الحرب، ورجل آخر يعتبر الهزيمة في غزة نهاية لدولة اسرائيل هو بنيامين نتانياهو، في حين يعتبر الممانعون أن النصر فيها يعني نهاية بنيامين نتانياهو .

وحتى الآن أيضاً وأيضاً لا تقر ايران بأن المعادلة الجديدة بعد معارك المئة يوم تقترب من شرط اطلاق الرهائن لوقف الحرب بدلاً من شرط وقف الحرب لاطلاق الرهائن، أو بالأحرى شرط اخماد الساحات المفتوحة بدل تحويلها الى ساحةٍ لتلقي الضربات أكثر من تسديدها.

شارك المقال