مضبوطة حتى الآن

لينا دوغان
لينا دوغان

على الرغم من تصاعد حدة العنف بين “حزب الله” واسرائيل واحتمالات التصعيد التي تزيد وتيرتها يوماً بعد يوم، الا أن الأمور لا زالت تحت السيطرة غير المضمونة، الا أنها “مضبوطة” حتى الآن كما يتحدث كثيرون، ويشيرون أيضاً إلى أن اندلاع مثل هذا الصراع الموسع سيكون بمثابة كارثة تامة لـ “حزب الله” وإسرائيل ولبنان والولايات المتحدة، ما يوضح الحاجة الملحة إلى التفاوض على صفقة مستدامة وقوية، وهذه المحاولة جاري العمل عليها في الكواليس بقيادة الولايات المتحدة.

واذا كان موضوع اشتعال الحرب من عدمه على الجبهة الجنوبية لم يتضح بعد، أو لنقل بأنه لا يزال ممسوكاً، فإن الآراء حول الحرب في الداخل اللبناني تأخذ منحى آخر، فهي تخطت السيطرة وباتت غير مضبوطة، خصوصاً أن الجميع يعلم أن “حزب الله” المدعوم من إيران، وليس الحكومة اللبنانية، هو الفاعل الرئيسي الذي يقرر ما إذا كان لبنان سيخوض الحرب أم لا. ولم يعد بوسع الجهات الفاعلة الدولية أن تتجاهل الدور المركزي الذي تلعبه قوة “حزب الله” القمعية إضافة الى الدور المركزي الذي يلعبه الحزب في الترتيب الأمني الحاصل بينه وبين إسرائيل، لذا يتزايد القلق عند شريحة كبيرة من اللبنانيين، من أي صفقة محتملة قد تنطوي على تنازل الولايات المتحدة عن السيطرة على السياسة الداخلية اللبنانية للميليشيا المدعومة من إيران، كما حصل في حرب الخليج الأولى ضد صدام حسين عندما سمحت الحكومة الأميركية لدمشق بالسيطرة غير المقيدة على لبنان ما بعد الحرب مقابل مشاركة سوريا في عملية “درع الصحراء”.

هذه المخاوف بدأت تطلع الى العلن، وتعبّر عنها المعارضة اللبنانية بأكثر من موقف وأكثر من تصريح منذ بداية حرب غزة. فلبنان برأيها في غنى عن حرب تخدم مخططاً يهدف الى تثبيت معادلات القوة في المنطقة ويعطي الأولوية لمصالح خارجية على حساب المصلحة الوطنية، كما أنها ترفض -أي المعارضة – استخدام الأراضي اللبنانية وربطها بالساحة الفلسطينية، وأكدت رفضها لأن يتكلم “حزب الله” أو أي فصيل فلسطيني باسم لبنان في موضوع السلم والحرب، لأن هذا القرار بيد الدولة اللبنانية حصراً.

وهكذا فإن حرب غزة كانت سبباً في إعادة تظهير الانقسام السياسي داخل المجتمع اللبناني، فأصبح هناك من هم مع الحرب ومن هم ضد الحرب، والسبب واضح وهو من يتحكم بقرار السلم والحرب في لبنان!

فعلى الخطوط السياسية اللبنانية، أصبح ما بعد غزة ليس كما قبل غزة، والأمور التي كان يُعمل عليها للتهدئة، أعادها موضوع الحديث عن الحرب الى نقطة الصفر، ليعود الانشقاق داخل المجتمع السياسي اللبناني بين الموافق على منح “حزب الله” حق الانفراد بقرار الحرب والسلم، وآخر يمانع هذا القرار.

وفي الآونة الأخيرة ومع تصاعد حدة التوتر على الجبهات وتزايد عمليات الاغتيال التي تقوم بها اسرائيل للعديد من المسؤولين في “حزب الله” و”حماس”، تصدر موقف جديد للرئيس نجيب ميقاتي، ليزيد من حدة التوتر على الجبهات الداخلية. وكان لكلامه البارز بعد عودته من دافوس، التأثير الواضح في مواقف الأطراف، اذ ربط التهدئة في لبنان وانطلاق الحل السياسي حول الحدود البرية بوقف إطلاق النار في غزة، ما اعتبره الفريق السيادي تبنياً لوجهة نظر “حزب الله”، ولا يجوز للدولة أن تتحوّل إلى مفاوض بإسم محور الممانعة وتبرر له ما يقوم به.

لكن الرئيس ميقاتي تطرق في كلامه الى الحرص الرسمي على النأي بلبنان عن مخاطر توسع الحرب وضرورة تطبيق القرارات الدولية وعلى رأسها القرار ١٧٠١، الذي تضغط المعارضة لتحييد لبنان من خلال تطبيقه، لكن حسابات حقل ميقاتي لا تتطابق مع حسابات بيدر المعارضة، اذ ان ميقاتي وإن ربط نهايات غزة بلبنان فهو لم يلصق بهما موضوع رئاسة الجمهورية، وهي نقطة أساسية بالنسبة الى المعارضة التي تعتبر أن هناك تعطيلاً ممنهجاً لانتخاب الرئيس، لأن “حزب الله” وحلفاءه لا يريدون أن يكون هناك قائد أعلى للقوات المسلحة ورئيس يتحدث باسم كل اللبنانيين، من هنا ترى أن ميقاتي كان عليه أن يأخذ هذه النقطة في الاعتبار خصوصاً لجهة أن تكون الأولوية لديه فقط لبنان والشعب اللبناني.

ينفي “حزب الله” أي رابط بين ما يحصل في غزة والجنوب وبين موضوع رئاسة الجمهورية، ويتوقف عند نقطة مهمة جداً وهي اذا ربح في حرب غزة سوف يأتي بمرشحه الى رئاسة الجمهورية، ليعتبر الحزب أن طرحاً كهذا لا أساس له من الصحة، ويأتيه الرد من الطرف السياسي المقابل ليقول بأن ربط انتخاب رئيس الجمهورية بإنتهاء حرب غزة جريمة موصوفة، ويجب الفصل نهائياً بين ما يحصل في غزة وفي لبنان، لأن إضعاف المؤسسات عندنا لا يخدم غزة بشيء، لكن للأسف ربط “حزب الله” للبنان بالصراع الاقليمي، خطير جداً على التوازنات الداخلية وعلى كيان لبنان.

أصعب من الحرب نفسها، هي حالة اللاحرب واللاسلم، فكيف اذا كانت في لبنان غير القادر على الاتيان برئيس وعلى ادارة شؤونه في مثل هذه الحالة؟ ولبنان في وضعه هذا لا يمكنه تحمل حرب، ينهار فيها ما تبقى من قطاعاته ومؤسساته، ويبقى معلقاً بين “هناك ما يكفي من الأسباب للذهاب إلى الحرب” و”هناك ما يكفي من الأسباب لعدم الذهاب إلى الحرب”.

لكن هل فعلاً يتم العمل بجهود كبيرة على بقاء الجبهات مضبوطة بخطوط حمر؟

يبقى الموضوع رهناً بالسباق بين المساعي الديبلوماسية والتصعيد الميداني.

شارك المقال