الحرب على لبنان

لينا دوغان
لينا دوغان

لا شك في أن الوضع جنوناً يشهد توتراً غير مسبوق منذ اندلاع الحرب في غزة. ومنذ عملية اغتيال صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت، وجبهة الجنوب تستعر يوماً بعد يوم، حتى بات الحديث عن أن مخاطر اندلاع حرب على الحدود بين إسرائيل ولبنان أصبحت أعلى بكثير من أي وقت مضى، ومن المتوقع نشوبها في الأشهر القليلة المقبلة.

بصورة جلية ومباشرة بدأت جبهة لبنان تثير اهتمام الرأي العام، في ضوء الاستنفار على الحدود الجنوبية، والتوتر المتجدد بين “حزب الله” والجيش الاسرائيلي. فبعد استعمال أسلحة جديدة وبكثافة باتجاه إسرائيل، مثل الصواريخ الثقيلة وتحديداً صواريخ “بركان” و”فيلق ١” اضافة الى المسيرات والصواريخ الموجهة المتطورة، باتت هذه التطورات تصب في إطار رسائل عسكرية واضحة وعديدة. في المقابل، قال جيش الاحتلال الاسرائيلي، إنّه أجرى تدريبات عسكرية الأسبوع الماضي بالذخيرة الحيّة، لرفع جاهزيته على الحدود مع لبنان.

لكن السؤال هنا: هل ما يجري هو رسائل متبادلة فقط، أم فعلاً تحضير للحرب؟

حتى الآن لم يتبلور المشهد بعد، وإن كان التصعيد الميداني يشتد، ذلك لأن داعمي الطرفين، أي أميركا الداعمة لاسرائيل وايران الداعمة لـ “حزب الله”، لا يريدان توسع الحرب حتى لا تتفلت الأمور، لكن هنا لا بد من الاشارة الى ما يجري في البحر الأحمر وما يقوم به الحوثيون والذي يتلاقى مع ما تتعرض له القواعد الأميركية من هجمات في المنطقة، وآخرها قرب قاعدة التنف ضمن الحدود الأردنية. ويأتي تحرك الحوثيين والمقاومة الاسلامية في العراق والتي تجمع فصائل حليفة لايران وما يجري على الحدود اللبنانية من هجمات لـ “حزب الله” أو برعايته، بالتزامن مع شن اسرائيل ضربات على غزة، تحت شعار نصرة غزة ومساندة الفلسطينيين هناك وأيضاً الضغط على اسرائيل، وفي هذا الاطار يأتي كلام الأمين العام لـ “حزب الله” عن وقف الهجمات ضد الأميركيين مقابل وقف حرب غزة.

قبل الدخول في المفاوضات التي تسارعت أيضاً حركتها، لا بد من اطلالة على الوضع الأميركي الذي يخسر للمرة الأولى عسكريين منذ بدء الحرب، كما أن الرئيس جو بايدن يواجه انتقادات حادة داخل الكونغرس بسبب ضرباته الأخيرة ضد المتمردين الحوثيين في اليمن وجماعات الميليشيات الأخرى في الشرق الأوسط، وعليه سيبنى الرد الأميركي، إذ إن هناك خيارات سهلة وأخرى صعبة أمام الرئيس الأميركي للرد على الهجوم الأخير.

الخيار الأسهل هو مهاجمة أهداف إيرانية في سوريا، وهذا ما قامت به القوات الأميركية من قبل من دون رد فعل من النظام السوري، أما الصعب فهو مهاجمة أهداف إيرانية في العراق وهذه ستكون الخطوة الأكثر جرأة، واشنطن سترد بالتأكيد لكن خيارات الرد ستكون ضمن حدود عدم الرغبة في خوض حرب مباشرة مع ايران، وبالتالي تجنب نزاع اقليمي في الشرق الأوسط.

كل الأطراف وليس بايدن فقط، تريد تجنب نزاع كبير وتخشى توسع رقعة الحرب، خصوصاً أن الأوضاع على الجبهة الجنوبية تدفعها الى التحرك من دون التوصل الى حل قريب، بعدما تم ربط ساحتي غزة والجنوب، فضلاً عن تهديد العدو الاسرائيلي بقدرته على فتح أكثر من جبهة، ورد “حزب الله” من الجانب اللبناني عن جهوزية المقاومة لرد حاسم بقدرات تتجاوز المواجهة عند الحدود.

عملياً ربط الجنوب بغزة، يحتم على المتفاوضين أخذ هذا الأمر في الاعتبار كما ووضعه أمامهم على الطاولة، وهذا ما جرى خلال لقاء باريس المخابراتي حول غزة، الذي اعتُبر ايجابياً ويمكن أن يمهد لوقف لاطلاق النار لفترة شهرين، لحل موضوع الأسرى وصولاً الى وقف دائم للنار.

الطرفان على الحدود أي “حزب الله” واسرائيل، يأخذان في الاعتبار عدة عوامل، طبعاً التخلص من تهديدين مناسب لاسرائيل، لكن “حزب الله” ليس “حماس”، كما أن لدى الحزب اعتبارات مهمة في هذا الخصوص مع ما يقوم به من تصعيد، ليكون منسوب التوتر عالياً جداً ميدانياً وفي الكواليس من أن هناك ضربة قوية وسريعة على الحدود، تؤكدها أوساط وتنفيها أخرى.

ويبقى في المحصلة أن الشرق الأوسط، بعد أحداث غزة التي شئنا أم أبينا، ارتبطت بالعراق وسوريا ولبنان واليمن، ذاهب الى تغيير كبير، والـ “بازل” في المنطقة أصبحت تركيبته الجديدة على النار، والمنتظر سيكون عبارة عن ترتيب تعد له كل الأطراف ويحظى بموافقة الجميع بمن فيهم ايران، التي تسعى بكل الطرق سلمية كانت أم غير سلمية، لتكون لاعباً أساسياً في المنطقة، والكل يعني الكل يفضلها سلمية.

شارك المقال