بايدن الجريح… عبارة Don’t هل حان موعدها؟

أنطوني جعجع

ما كان يخشاه الرئيس جو بايدن ويتمناه بنيامين نتنياهو وتعمل له ايران، وقع فعلاً، ووضع الشرق الأوسط كله على خط النار ان لم يكن في قلب النار.

فما أصاب الأميركيين في الهجوم الذي وقع في قاعدة شمال شرق الأردن بالقرب من الحدود مع سوريا، بحسب الجيش الأميركي، الذي لم يذكر اسم القاعدة، لكن مصدراً مطلعاً عرف الموقع بأنه البرج 22 في الأردن، أوقع بايدن في محظور كان يحاول تحاشيه منذ “السابع من أكتوبر”، وأثلج صدر نتنياهو الباحث عن حليف بأي ثمن، وترجم تحديات ايران التي تبحث عن انتقامات تحفظ ماء الوجه.

وأكثر من ذلك، ما أدمى الجنود الأميركيين لا يمكن أن يكون عملاً عادياً أو عملاً يمكن التعامل معه برد عادي على الرغم مما يعني ذلك من مخاطر قد تصل الى حد تفجير برميل البارود على مساحة تمتد من ايران الى البحر الأبيض المتوسط، خصوصاً أنه انتقل من ضربات عشوائية تحذيرية كانت  تمر على خير، الى ضربة مباشرة أسالت الكثير من دماء الأميركيين.

والسؤال الذي يطرح نفسه في كل من طهران وواشنطن، أين يمكن أن ترد الولايات المتحدة، ومن يمكن أن يكون هدف أي ضربة أو ضربات يستعد الجيش الأميركي لتسديدها متسلحاً بدعم من المنظومة السياسية التي ذهبت بعيداً في غضبها الى حد الدعوة لضرب ايران نفسها وكل من يدور في فلكها؟

هل يكون الرد ضربات ضد المنشآت العسكرية والصاروخية الايرانية، أو ضد أسطولها الحربي كما حدث قبل سنوات، أو عبر تحريك الشارع الايراني المعارض، أو عبر عمليات اغتيال موجعة تطاول شخصية أو شخصيات من وزن قاسم سليماني، أو فتح ترساناتها المتطورة أمام الجيش الاسرائيلي الذي يتهالك لحسم معركته مع حركة “حماس” في غزة و”حزب الله” في جنوب لبنان، واما يكون تفجير حرب الهائية أو استنزافية بين ايران وباكستان أو حرب مماثلة بين الحوثيين والجيش الوطني اليمني؟

خيارات وأوراق كثيرة، لكن السؤال الآخر الذي يطرح نفسه أيضاً، هل يصل الرد الأميركي الى حد رفع الغطاء عن أي خطوط حمر وضعتها واشنطن بعد “السابع من أكتوبر” للحؤول دون اتساع الحرب وانتقالها من حرب محدودة في غزة الى حرب اقليمية شاملة، ويمنح مجلس الحرب الاسرائيلي الضوء الأخضر الذي طالما طالب به لتوسيع رقعة القتال؟

الواقع أن بايدن الذي يخوض معركة رئاسية صعبة مع خصمه الجمهوري دونالد ترامب، لم يعد بعد سقوط جنود أميركيين بسواعد ايرانية الهوى، قادراً على الاكتفاء بتوجيه الانذارات والاكتفاء بعبارة “Don’t”، كلما حاول تحذير ايران وحلفائها، مسلماً بأن ساعة الحقيقة قد دنت، وأن الوقت حان كي تدخل الأساطيل التي أرسلها الى الخليج والبحر المتوسط، الخدمة الفعلية.

ويسود اقتناع شبه راسخ في الدوائر العسكرية والسياسية الأميركية بأن ما جرى في “البرج تي ٢٢” قد تم بأمر مباشر من طهران، ويرتبط بالتصريح الذي أدلى به الرئيس الايراني ابراهيم رئيسي بعد اغتيال رضي موسوي في دمشق، وهو التصريح الذي ألمح فيه الى دور أميركي في عملية الاغتيال التي نفذتها اسرائيل.

هذا الانطباع دفع ايران الى اخلاء كل المواقع العسكرية التي يشغلها حلفاؤها في سوريا والعراق، والى استنفار قواتها داخل ايران وفرض حمايات استثنائية حول كوادرها الثورية الاستثنائية في كل دول المحور وبينها لبنان، وباتت الآن أمام الحقيقة التي تقول: “اذا أردت الحرب مع أميركا فقد جاءت لحظتها، واذا رفضتها فما لك الا تنفيس الجبهات والسعي الى اطلاق الرهائن الاسرائيليين والأميركيين في غزة والمساهمة في تمرير حل الدولتين”.

في الانتظار، أجواء واشنطن التي تستعد لانتخابات رئاسية حامية، تشير الى أن بايدن يبحث عن رد ذي هدفين: الأول الحفاظ على هيبة أميركا وكرامة جنودها، ومنع الجمهوريين من استغلال الحادث للنيل مما يعتبرونه القيادة الركيكة للرئيس الديموقراطي.

وتضيف: “ان هناك خياراً من خيارين أمام بايدن، اما الاكتفاء بما قل ودل بتنسيق سري تحت الطاولة مع ايران تماماً كما حدث بعد اغتيال سليماني في بغداد، واما تفجير كل الجبهات في وجه الحرس الثوري وحلفائه ومنها جبهة لبنان”.

انها، في حسابات المراقبين العسكريين والسياسيين، اللحظة الفاصلة بين سياسة “اضرب واهرب” وسياسة “اضرب حتى النهاية”، فهل يذهب بايدن المتهم بالجبن، بعيداً الى حد الانصياع لضغط الجمهوريين المتعطشين للانتقام من ايران، بحيث يتولى هو أمر التعامل مع “الحرس الثوري”، وتتولى اسرائيل أمر التعامل مع “حزب الله” في مواجهة اقليمية شاملة لا حدود لها ولا سقوف ولا ضوابط كما حذر حسن نصر الله أخيراً؟

حتى الآن، يسود اعتقاد في واشنطن أن الرئيس الأميركي وأعوانه في البنتاغون والخارجية لن يفتحوا باب المخاطرات المجنونة، لكنهم خائفون من أن يستغل نتنياهو الغضب الأميركي لشن عملية عسكرية واسعة في جنوب لبنان، معتبراً أن  ضرب “حزب الله” أو تحجيمه، اذا تمكن من ذلك، سيعني انهيار محور المقاومة من بيروت الى طهران ويفتح الباب أمام التطبيع العربي – الاسرائيلي واحياء مشروع الشرق الأوسط الجديد، وهو أمر سيحوله، في حال نجاحه، الى الرجل الذي لا غنى عنه لا في السلام ولا في الحرب.

شيء ما في اسرائيل يشير الى أن فرصة التحول الى لبنان باتت سانحة، وأن على أميركا أن ترفع الغطاء اذا أرادت فعلاً البقاء في المنطقة والعيش في سلام، فهل ينصاع بايدن للجنون الاسرائيلي وينقل عبارة “Don’t” الى عبارة “I Did”؟

شارك المقال