على أبواب ذكرى 14 شباط… تحولات جنبلاطية جديدة أم رسائل سياسية؟

ياسين شبلي
ياسين شبلي

بخلاف “مسرحية الموازنة” التي عرضت على مسرح ساحة النجمة بسيناريو وحوار وإخراج “الأستاذ” نبيه بري – مع بعض الخروج على النص من البعض – كان “توأمه” السياسي الزعيم وليد جنبلاط هو نجم الأيام الماضية بتحركاته وتصريحاته المثيرة دائماً للجدل، والناجمة كما يقال عن دقة إلتقاط “راداراته” لذبذبات التطورات في المنطقة، ولو أن هذه الرادارات تحتاج في بعض الأحيان الى الصيانة جراء تعرضها لبعض التشويش، فتصدر عنها صور مشوشة وغير دقيقة.

كانت البداية من “العشاء العائلي” الذي عُقد في كليمنصو مع مرشح “الثنائي الشيعي” الرئاسي سليمان فرنجية، الذي ذكَّرنا بالامتحان الذي كان يجريه الزعيم كمال جنبلاط للمرشحين ومنهم سليمان فرنجية الجد، الذي نجح يومها، فكان نجاحه سقوطاً للعهد والنهج الشهابي في الحكم، الذي كان بطريقة أو بأخرى يمثِّل سقوطاً للدولة وهيبتها وتوازناتها المحلية والعربية، ما لبث أن تفجَّر حرباً أهلية في العام 1975 لا زلنا نعاني من آثارها حتى اليوم.

عشاء كليمنصو “العائلي” مع فرنجية الذي يبدو أنه نجح في “الامتحان” بدليل التصريح الأخير للبيك أنه لا يمانع في وصول فرنجية أو غيره – كذا – للرئاسة، تبعه عشاء آخر للبيك في السفارة الايرانية صدر بعدها تصريح يطالب اللجنة الخماسية بـ “الدوزنة” وذلك عبر جعلها سداسية مع ما يعنيه هذا من ضم إيران إليها، ترافق ذلك أيضاً مع إجتماع ضمه والرئيس نبيه بري صدر بعده – على ما يقول بعض الخبثاء – أمر إبعاد مؤقت بحق أمل شعبان من وزارة التربية، التي يبدو أن لملفها علاقة بفضيحة الشهادات العراقية وعلاقة ذلك بمصالح الثنائي الشيعي، في رسالة مزدوجة إلى تيار “المستقبل” الذي كان له رد عنيف على الوزير عباس الحلبي و”مرجعيته” السياسية، ما جعل البعض يربط بين هذا الخلاف – الذي برز للأسف على أبواب ذكرى 14 شباط، هذه الذكرى التي كانت شرارة يوم من أصدق وأجمل أيام لبنان وهو يوم 14 آذار بمعانيه الكبيرة – يربط بينه وبين تصريح البيك بأن شعار “لبنان أولاً” هو شعار سخيف باعتباره شعار تيار “المستقبل”، وهو الوصف الذي استفز الكثيرين حتى من بيئة وليد جنبلاط نفسه، الأمر الذي جعله يتراجع ويطلب إعتبار التصريح كأنه لم يكن، وحسناً فعل.

كل هذه التطورات والتصريحات دفعت البعض الى البحث والتحليل في ما وراءها، نظراً الى أهمية وليد جنبلاط في الحياة السياسية اللبنانية، بغض النظر عن المناصب التي يتولاها سواء في الدولة أو الحزب والتي ترك أمرها مؤخراً للنائب تيمور جنبلاط، ليلعب هو على ما يبدو دور “المرشد” – مع ما يحمله هذا من معنى سياسي – فالواضح أن تصرفات وليد جنبلاط الأخيرة كالعادة لم تأتِ من فراغ، في ظل التطورات في المنطقة التي تعيش آثار “طوفان الأقصى”، كذلك الساحة المحلية التي تعقدت أمورها أكثر نتيجة هذه التطورات، فالفراغ الرئاسي يبدو باقياً ويتمدد في ظل هذه الظروف، وما من عاقل يمكن أن يتصور بأن إنتخابات رئاسية ممكنة في هذا الجو قبل تبيان الخيط الأبيض من الأسود في المنطقة، كذلك الفراغ في المؤسسات الأخرى الذي أمكن تلافي بعضه في الآونة الأخيرة عبر التمديد لقادة الأمن والعسكر، لتبقى عقدة رئاسة الأركان “الدرزية” عالقة وهو ما يستفز بالتأكيد وليد جنبلاط.

وإذا راقبنا تطورات المنطقة والتعقيدات الداخلية اللبنانية وحركة جنبلاط، يمكن الخروج بإحتمالين على شكل أسئلة، الأول هو هل يمكن أن تكون تحركات وليد جنبلاط تحولات سياسية تموضعية على عادته في التغيرات والتحولات الكبرى في المنطقة؟ والثاني هل يمكن أن تكون مجرد رسائل سياسية داخلية وخارجية وعلى أي خلفية؟ هل على خلفية إنزعاجه من التأخير في بت قضية رئاسة الأركان التي قد يعتبرها مساً معنوياً بمكانته ومكانة الطائفة الدرزية، أم على خلفيات أخرى كمحاولة منه لتحريك المياه الراكدة مثلاً إستباقاً لأي تطورات مقبلة؟ إذ لا يخفى على أي مراقب بأن لقاءه فرنجية وتصريحه عن إمكان القبول به رئيساً، والحديث عن دور لإيران في اللجنة الخماسية، كذلك قضية أمل شعبان وشعار “لبنان أولاً” هي رسائل قوية يوجهها إلى “الثنائي الماروني” من جهة، وتيار “المستقبل” من جهة أخرى، بما يعنيه أيضاً من تموضع إلى جانب “الثنائي الشيعي”، الضلع الثالث والأساس في هذه الأيام في المعادلة اللبنانية، فأي الاحتمالين أقرب الى الصواب؟ العلم عند الله وجنبلاط والراسخين في علم السياسة وتكنولوجيا الرادارات.

شارك المقال