تعليق تمويل “الأونروا”… ثورة لاجئين قادمة!

عمر عبدالباقي

تلعب وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) دوراً مهماً في مساعدة اللاجئين، الذين يعيش عدد كبير منهم في مخيمات ومناطق مجتمعاتهم ويعانون ظروفاً صعبة وتحديات متعددة. من هنا تأتي “الأونروا” التي تأسست نتيجة الصراع الفلسطيني – الاسرائيلي عام 1948 لتأمين المساعدة اللازمة للاجئين الفلسطينيين، وتوفير الاغاثة الطارئة في حالات الأزمات الطبيعية أو الانسانية، وتقديم الدعم اللوجيستي والاسكان للذين يعانون من ظروف سكن صعبة في المخيمات، بما في ذلك الرعاية الصحية من تقديم الأدوية والعلاجات، والتأهيل المهني. كما تعمل على توفير فرص التعليم للأطفال الفلسطينيين والشباب، وتوفير البنية التحتية المدرسية والكوادر التعليمية وغيرها من الأمور.

كل هذه المساعدات ستختفي الآن بسبب قرار مفاجئ وصادم أعلنته مؤخراً الولايات المتحدة الأميركية عن تعليق تمويل “الأونروا”، استجابة لاتهامات إسرائيل لبعض موظفي الوكالة (12 موظفاً) بالمشاركة في عملية “طوفان الأقصى” التي نفذتها حركة “حماس” في السابع من تشرين الأول. وانضمت الى هذا القرار بعدها كل من: كندا، أستراليا، إيطاليا، المملكة المتحدة، فنلندا، هولندا، ألمانيا، فرنسا، النمسا واليابان فيما دول أخرى تريثت عن الاعلان.

“الأونروا” نفسها تعرضت لصدمة جراء هذا القرار، وأعرب المتحدث باسم الوكالة عدنان أبو حسنة عن قلقه بشأن تعليق التمويل، مؤكداً أن الوكالة في حال عدم استئناف التمويل، لن تكون قادرة على الاستمرار في تقديم خدماتها وعملياتها في مناطق مختلفة، بما في ذلك قطاع غزة، بعد نهاية شهر شباط.

تداعيات خطيرة للغاية!

وعلى الصعيد اللبناني، توقعت مصادر من “الجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين” في لبنان أن يكون لهذا القرار تداعيات خطيرة للغاية، لا تقتصر على العواقب الاقتصادية والاجتماعية، بل تتجاوزها لتصل إلى آثار أكثر قسوة على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، الذين يُقدر عددهم بين 250 إلى 300 ألف لاجئ، يعتمد 95% منهم بصورة كاملة على المساعدات المقدمة من الوكالة. كما أن هذا القرار يعني إغلاق 68 مدرسة وعدد كبير من العيادات الصحية في المخيمات.

وزير الخارجية في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب وصف قطع المساعدات عن “الأونروا” بأنه “خطأ تاريخي سيؤدي إلى حرمان اللاجئين الفلسطينيين من أي أمل بحياة ومستقبل أفضل، وسيشكل تهديداً للأمن الاقليمي ولأمن الدول المضيفة والدول المانحة على حد سواء”.

ليست المرة الأولى

هذا القرار ليس مفاجئاً، إذ تعاني “الأونروا” من ضغوط مستمرة منذ سنوات لإنهاء وجودها ودورها في دعم اللاجئين الفلسطينيين، بحسب الكاتب والباحث في “مؤسسة الدراسات الفلسطينية” أيهم السهلي، الذي أشار لموقع “لبنان الكبير” الى محاولات إيقاف أعمال “الأونروا” في الماضي، بحيث قام الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، بوقف تمويل الأمر بالكامل، نظراً الى أن الولايات المتحدة الأميركية تعتبر الممول الرئيسي للوكالة، “وكان هذا جزءاً من الضغط المستمر، خصوصاً إذا نظرنا إلى تصريحات سابقة صدرت عن الاسرائيليين والأميركيين، الذين يرون أن وجود الأونروا واحد من أكبر التحديات في هذا الصراع بالنسبة اليهم، وهذا القرار يستهدف القضية الفلسطينية عموماً، ويؤثر فعلياً على الستة ملايين لاجئ فلسطيني الموجودين في لبنان وسوريا والأردن. وبالطبع، الهدف الحقيقي من هذا القرار هو إنهاء قضيتهم. وزيادة انضمام الدول الى القرار تُعتبر توافقاً مع ما ترغبه إسرائيل بصورة كاملة”.

السهلي: سيناريو خطير للغاية

أما كيف ستتأثر حياة اللاجئين في لبنان إذا أصبحت “الأونروا” غير قادرة على الاستمرار في تقديم خدماتها، فمن الجانب التعليمي “المدارس في مخيمات اللاجئين الفلسطينيين تعاني بالفعل من مشكلات وخصوصاً من خلال الازدحام الكبير في الفصول الدراسية، وهناك نداءات مستمرة كل عام لحل هذه المشكلة. أما في ما يتعلق بالرعاية الصحية، فمن المعروف أنها في لبنان مكلفة جداً، بحيث يعتمد الناس على التأمين الصحي من خلال المؤسسات التي يعملون فيها. ويعتمد الفلسطينيون اللاجئون على الأونروا والمساهمة التي يدفعونها لتغطية التكاليف الطبية، بما في ذلك العمليات الجراحية وغيرها من الخدمات الطبية، ويصعب حقاً تصور المشهد في حالة انقطاع خدمات الأونروا عن اللاجئين الفلسطينيين”، كما قال السهلي، محذراً من “أننا قد نشهد احتمالاً لثورة لاجئين اذا حصل الانقطاع الكامل، فالأونروا ليست مجرد شاهدٍ معنوي على قضية اللجوء، بل هي جزء أساسي من حياة الفلسطينيين. فمن حيث مستوى حياتهم اليومية في لبنان، تعتبر البنية التحتية في المخيمات، بما في ذلك نظام الصرف الصحي والصيانة العامة والكهرباء، معتمدة على دعم الأونروا”.

هناك تعاون مع اللجان الشعبية، كما أكد السهلي، لكن التمويل الأساسي يأتي من “الأونروا” بالاضافة إلى ذلك تأتي أعداد إضافية من الفلسطينيين السوريين الذين وجدوا أنفسهم عاجزين بعد الحرب السورية، وهؤلاء أيضاً يعتمدون على التمويل الشهري من “الأونروا” التي تؤكد أن هذا التمويل يساعدهم على الأقل في دفع إيجارات منازلهم وتلقي مساعدات الشتاء.

واذ رجح السهلي “أننا أمام سيناريو خطير للغاية”، أعرب عن أسفه لعدم وجود جهة تغطي تلك المسائل، مشيراً الى أن “منظمة التحرير غير قادرة على تقديم الخدمات التي تقدمها الأونروا، على الرغم من أن هذا ليس دورها الفعلي الأساسي، والذي يقتصر بصورة رئيسة على المساهمة والدعم السياسي، من خلال الضغط على المجتمع الدولي لضمان استمرارية دور الأونروا بكامل مهامها، وتحقيق عودة اللاجئين الفلسطينيين وإيجاد حل عادل وشامل لقضيتهم”.

شارك المقال