لاهاي ولا من تنادي

الراجح
الراجح

إذا تعمقت في التدقيق في القرار الأوليّ الصادر بشأن الدعوى القضائيّة الّتي رفعتها جنوب افريقيا على إسرائيل، سترى نفسك أمام نصائح نيكولو مكيافيللي – وهذا ينطبق على إسرائيل ممثَّلة بحكومة نتنياهو الذي خاض حرب الرد على عملية “حماس” في 7 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، مستعيناً بنصائح مكيافيللي:

أوّلها، “إذا كان لا مفر من أذية أحد، فلتؤذه بقسوة تجعلك لا تخاف من انتقامه”.

ثانيها، “الأمير العاقل ينبغي له ، حين تؤاتيه الفرصة، أن يثير العداوة بدهاء حتى يزيد بقمعها من عظمة نفسه”.

ثالثها، “يمحو النصر آثار أكثر الأعمال فشلاً، فيما تُجهِض الهزيمة أكثر الخطط تنظيماً”.

أقول هذا لأن التعمّق في القرار تراه أضرَّ بجميع المتطرفين على حد سواء، ودعاهم ليحاربوا بعضهم البعض بعيداً عن المدنيين، وبهذا الحكم انتصر الاعتدال الموجود واقعاً وفعلاً، إنْ في فلسطين المحتلّة أو في أراضي السلطة أو حتى في غزة نفسها، وخسر التّطرف في “إسرائيل”، وخسرت “حماس” التي لم تعتبرها المحكمة لا حركة مقاومة ولا ضحيّة ولا حتى صاحبة حق.

كل ما صدر يَعتَبِر الشعب الفلسطيني هو المقاوم والضحية وصاحب الحق.

“يجب أن يكون هناك العديد من القضاة لأن القليل منهم سيفعل دائماً إرادة قلة”. أما لماذا هذا القول؟ لأن المحكمة التي نظرت إلى مأساة الشعب الفلسطيني وتضامنت بقوة مع الضحايا والمهجرين في غزة لم تجتمع قبلاً للنظر في مأساة الشعب السوري وفي حقوق خمسمائة ألف قتيل ومائة وثلاثين ألف معتقل مُصرَّح عنهم؛ وهناك الكثيرون الذين يخشى أهاليهم التصريح عنهم لأنهم يعرفون أن ما ينتظرهم هو الاعتقال بأحسن الأحوال! وبالمناسبة هناك أيضاً آلاف المعتقلين الفلسطينيين في سوريا الذين لا يجدون من يسأل عنهم.

بالعودة إلى مكيافيللي، “درجة الصعوبة والخطورة في محاولتك تحرير شعب راضٍ بعبوديته هي نفسها محاولتك استعباد شعب آخر”.

هذه مأساة الانسان – تتغير الظروف، لكنه لا يتغير.

شارك المقال