عودة مجانين “أمل”

محمد شمس الدين

بعد دخول حركة “أمل” المعترك السياسي عقب اتفاق الطائف وتسليمها جزءاً كبيراً من سلاحها للجيش اللبناني، ظن الكثير من اللبنانيين أنها تخلت عن العمل المقاوم، لا سيما مع بروز “حزب الله” بصورة كبيرة، مع القوة الاعلامية التي كانت تسانده، فخفت الضوء عن العمل العسكري للحركة في فترة التسعينيات على الرغم من أنها شنت مئات العمليات النوعية، وخاضت العديد من الاشتباكات مع العدو الاسرائيلي، لعل أشهرها عملية وادي الحجير في 28 آب 1997، التي اعترف العدو فيها بسقوط 12 من جنوده، واستشهد 4 عناصر لـ “أمل”.

وفيما كان هناك نوع من الهدوء بعد التحرير عام 2000، لم تبرز أي اضاءة على عسكر الحركة، حتى العام 2006، عند اندلاع حرب تموز، فأعيد تسليط الضوء على العمل العسكري لـ “أمل” بعد خوضها اشتباكات مع القوات الاسرائيلية دفاعاً عن الجنوب استشهد فيها قائد العمليات في مارون الراس هاني علوية، وعدد من عناصر الحركة حول لبنان.

ومنذ الـ 2006 لم تُختبر الحركة في أي عمل عسكري حقيقي، ولم يظهر ما قد يدل على قدراتها العسكرية، لا سيما أنها لم تدخل في حرب الميدان السوري، على الرغم من تواجدها في معركة الجرود ضد الارهاب، واعلان استنفارها في كل مرة كان هناك تهديد بشن حرب اسرائيلية على لبنان.

في ذكرى تغييب مؤسسها الامام السيد موسى الصدر في آب 2019، خطب رئيسها نبيه بري كعادته، ودعا الحركيين إلى البقاء على جهوزية واستعداد لافهام العدو بأن أرض لبنان كل شبر منها مقاوم. واعتبر كلامه حينها بمثابة تعميم على القواعد الحركية لاعطاء أولوية للتشكيلات العسكرية، وأقامت الحركة تدريبات عديدة كانت تدور الشائعات حولها بين أهالي الجنوب، وأجرت مناورتين عسكريتين أظهرتا بعضاً من جهوزيتها العسكرية.

ومنذ اندلاع الحرب في 7 تشرين الأول بعد عملية “طوفان الأقصى” النوعية التي نفذتها حركة “حماس”، استنفرت “أمل” كوادرها العسكرية، واستشهد حتى اليوم 3 من مقاتليها أثناء “قيامهم بواجبهم الجهادي”. وتحدث الرئيس بري أمس حول التواجد العسكري للحركة في الجنوب، قائلاً: “حركة أمل هي أمام حزب الله في الدفاع عن كل حبة تراب من لبنان، ولكن في هذه المعركة ‫حركة أمل تقاوم ضمن امكاناتها العسكرية، فهي لا تمتلك قدرات حزب الله”. وأكد “لا أخاف على دوري الديبلوماسي لأن المقاومة الديبلوماسية هي جزء أساسي في المقاومة”.

أما عن قدرات الحركة العسكرية، فلا أحد يعرف فعلياً، اذ تفضل العمل السري في العمل العسكري لدرجة أنها لا تعلن حتى عن عملياتها في الجنوب، وقد تحدث الاعلام طوال فترة الحرب عن قصف يطال المواقع الاسرائيلية لا يتبناه أحد، ولكن الجنوبيين يعلمون ضمنياً أن مقاتلي “أمل” هم من يقومون بذلك.

قد لا تمتلك الحركة التمويل والدعم اللذين يحظى بهما “حزب الله”، إلا أنها لا تزال تحتفظ بعدد ليس قليل من قادتها العسكريين القدامى الذين خاضوا المعارك في الثمانينيات ونفذوا العمليات في التسعينيات ويعرفون كيف يحاربون جيشاً نظامياً بأسلوب حرب العصابات، وهم يستطيعون تدريب الكوادر الحركية بجدارة.

وقد لا تمتلك “أمل” صواريخ باليستية إلا أن تركيزها على العلم في فترة ما بعد الحرب وضع بتصرفها آلاف العلماء الشباب في شتى المجالات التي يمكن استخدامها في العمل العسكري إن كان في تطوير الصواريخ ومداها أو حتى الكشف عن مسيرات تستطيع استخدامها في هجمات، لا سيما أن الحركيين موزعون في أنحاء العالم في مختلف المجالات العلمية، من الفيزياء والكيمياء والطاقة والالكترونيات والروبوتات وغيرها من الاختصاصات التي يمكنها جميعاً أن تساهم في القدرات العسكرية.

بالاضافة إلى كل ذلك، تمتلك حركة “أمل” عقيدة قتالية مبنية على تعاليم مؤسسها الامام موسى الصدر الذي أفتى بقتال اسرائيل مهما كان السلاح وضيعاً، ما يدفع عناصر الحركة الى الثبات والقتال بشراسة حتى لو كانت موازين القوى ليست لصالحهم. ويذكر أحد الكوادر الحركيين في حديث لـ”لبنان الكبير” بما قاله أحد جرحى العدو المنسحبين من لبنان بعد معركة خلدة: “لقد كانوا مجانين حقاً هؤلاء الذين يقاتلون في تلك المنطقة، جميعهم مجانين حقاً انهم ارهابيو منظمة أمل وعلى رأسهم رجل اسمه نبيه بري”.

شارك المقال