لماذا تريد واشنطن وطهران الهدنة في غزة؟

حسناء بو حرفوش
فلسطينيون يتجمعون في موقع غارة إسرائيلية على منزل في رفح بجنوب قطاع غزة يوم الثلاثاء. - رويترز.

وصفت قراءة في موقع صحيفة “لو فيغارو” الفرنسية ما يحصل في المنطقة بـ”التقارب الموضوعي بين المصالح الأميركية والايرانية في الشرق الأوسط للمرة الأولى”. وربط التحليل هذا الترابط “بأسباب داخلية وخارجية متنوعة، بحيث أن واشنطن وطهران لا ترغبان في عدم تصعيد الصراع الاسرائيلي الفلسطيني فحسب، بل تسعيان الى هدنة طويلة الأمد في غزة”.

“وكان من الممكن، كما نقرأ في التحليل، أن تستمر الهدنة الأولى، التي تم التفاوض عليها في البداية للسماح بالإفراج عن الرهائن الاسرائيليين تحت غطاء أسباب إنسانية أخرى. وكان واضحاً أن التصفية الجسدية لجميع مقاتلي الحركة الاسلامية الفلسطينية ما عادت من ضمن أولويات الرئيس الأميركي جو بايدن عندما خاطب الولايات المتحدة والعالم بمناسبة أول تبادل للرهائن الاسرائيليين والسجناء الفلسطينيين. والآن، تحولت حالة الطوارئ التي أعلنها الرئيس الأميركي إلى وقف إراقة الدماء في غزة إلى جانب إطلاق سراح الرهائن الاسرائيليين”.

فكيف يمكن تفسير ذلك؟ “داخلياً، يمكن تفسير التحول في سياسة الزعيم الديموقراطي جو بايدن في الشرق الأوسط من خلال الانطلاق غير الرسمي للحملة الانتخابية الرئاسية في الولايات المتحدة، خصوصاً وأن دعم بايدن لاسرائيل، كلفه في الأسابيع الأخيرة، التخلي التدريجي لجزء كبير من الناخبين العرب والشباب، داخل الحزب الديموقراطي. بالاضافة إلى ذلك، تحظى القضية الفلسطينية بشعبية كبيرة في الجامعات التقدمية على الساحل الشرقي وفي كاليفورنيا. وكانت صحيفة نيويورك بوست قد حذرت في هذا الصدد من مغامرات بايدن التي ربما قد تتسبب في إشعال حرب عالمية ثالثة. وذلك على خلفية اتخاذ بايدن خطوات قد تترك إسرائيل تحت تهديد غير مسبوق في تاريخها، واتخاذه قرارات متسرعة قبل موعد الانتخابات الرئاسية المقبلة لضمان فترة رئاسية ثانية.

كما تعرض جو بايدن للهجوم من سلفه دونالد ترامب الذي لا يوفر فرصة للتأكيد أن منافسه هو رئيس الحروب، وأنه هو الذي نجح في تجنبها خلال ولايته الأولى من 2017 إلى 2021. وأكد ترامب خصوصاً أنه لو بقي في البيت الأبيض، لما كانت روسيا لتهاجم أوكرانيا البتة.

والحقيقة هي أن أي حرب كبرى لم تشن خلال ولاية ترامب، وهو الرجل الذي كان دائماً حذراً من نظريات المحافظين الجدد التي تفضل الديموقراطية والعدالة على السلام. وعندما اقترح البنتاغون قصف إيران في يونيو/حزيران 2019 رداً على إسقاط طائرة أميركية من دون طيار من الحرس الثوري فوق مضيق هرمز، ألغى ترامب الغارة في اللحظة الأخيرة، معتقداً أن استخدام القوة المميتة غير مبرر.

وخارجياً، يعلم البيت الأبيض أن حلفاءه العرب في الشرق الأوسط يطالبون بإنهاء هذه الحرب التي تلحق ضرراً بالغاً بصورة الغرب بين سكان العالم العربي. علاوة على ذلك، يعتقد المزيد والمزيد من الاستراتيجيين الأميركيين أن واشنطن سمحت لنفسها بالتورط أكثر من اللازم في الشؤون المعقدة لأوروبا الشرقية والشرق الأوسط، وأنها ترتكب خطأً استراتيجياً بعدم التركيز على تنافسها مع الصينيين، وعدم المراهنة على الحفاظ على نفوذها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ الشاسعة.

ماذا عن إيران؟

وفي المقلب الآخر، يطرح السؤال: لماذا تريد إيران أيضاً الهدنة في الشرق الأوسط؟ الاجابة البديهية هي أن نظام الملالي ليس مستعداً للمخاطرة بحرب مباشرة مع الولايات المتحدة، التي تمتلك قدرات على تدمير الأسطول الإيراني بالكامل في غمضة عين. وبصفته المسؤول عن قرار الحرب والسلام، لن يقبل المرشد الأعلى الايراني أبداً أن تتمكن حركة خارجية، حتى لو كانت ودية، من فرض استراتيجيتها وتوقيتها. وهذا ما ترجم بتعبير خامنئي أمام الزعيم السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية حول الاستمرار في دعم حماس ديبلوماسياً ومعنوياً، ولكن ليس عسكرياً

وبالنظر إلى التظاهرات العربية الاسلامية التي كثرت في مختلف أنحاء العالم ضد إسرائيل والغرب، يدرك القادة الايرانيون أنهم قادرون على كسب الحرب من دون التضحية بجندي، على غرار ما حدث عام 2003، في العراق. وتجري طهران محادثات سرية، عبر وسطاء مختارين، مع الأميركيين بهدف التوصل في يوم من الأيام، إلى اتفاق أمني عالمي من شأنه أن يؤدي إلى خفض العقوبات تدريجياً. ويشكل الدعم الروسي والصيني الحالي لإيران رصيداً أكثر من كونه عائقاً، وهذا ما يخلق البيئة المناسبة للتركيز على إتمام الصفقات”.

شارك المقال