تضييق محلّي على الجنود المنشقّين عن النّظام… ومعلومات عن ترحيل!

إسراء ديب
إسراء ديب

تصدّرت قضية “ترحيل” المعارضين السوريين من لبنان وما تتضمّنه من خطورة تمسّ حياتهم، واجهة النّقاشات والصراعات المرتبطة باللجوء السوري، بحيث تكرّر الحديث عن هذا الملف “العصيب” خلال الأشهر القليلة الماضية بصورة مستمرّة، خصوصاً على المستوى الاعلامي بعد سيناريوهات عدّة عاشها عدد من المنشقّين أو المعارضين للنظام عقب ترحيل بعضهم، أو “تهديدهم” بالترحيل من جهات معنيّة أم غير معنيّة بهذا الملف، الأمر الذي سلّط الضوء على قضية عجز القائمون عليها عن الالتزام بصورة كافية باتفاقية الأمم المتحدة لمناهضة التعذيب التي وقّعها لبنان عام 2000.

إنّ الملف (الذي كانت تعتبره المنظمات الانسانية والحقوقية كما الفئات الشعبية في وقتٍ سابق، “خطّاً أحمر” لصون حياة كلّ من اختار معارضة النظام السوري، خصوصاً على المستوى العسكريّ)، بات ضاغطاً على الداخل اللبناني سياسياً وأمنياً، ما يزيد من حدّة التضييق على اللاجئين السوريين إلى لبنان لدفعهم إلى العودة لبلادهم، وذلك من دون التمييز بين ملفيّ الترحيل الذي قد يحدث علناً أو بفي الخفاء من جهة، والعودة الطوعية للاجئين من جهة ثانية.

في الواقع، تعود المديرية العامّة للأمن العام إلى إطلاق حملة جديدة للعودة الطوعية للاجئين كمبادرة استؤنفت في أيّار الفائت، لكن يُمكن التأكيد أنّ هذه التجربة وعلى الرّغم من أحقّيتها بوجود أكثر من مليونيّ سوريّ في لبنان، لم تُثبت نجاحها محلّياً، إذْ لم تتمكّن من تسجيل أعداد مهمّة تصل إلى الآلاف مثلاً للتخفيف من العبء، بل كانت سجّلت عودة المئات في عامٍ واحد فقط.

ومنذ العام 2017، أيّ العام الذي انطلقت فيه هذه الخطّة التي أعلن عنها اللواء عباس إبراهيم، عاد 540 ألف لاجئ فقط إلى بلاده “طوعاً”، وذلك على الرّغم من المبادرات الأمنية أو الوزارية كتلك التي قام بها مثلاً وزير المهجرين في حكومة تصريف الأعمال عصام شرف الدين الذي كان بحث “بإيجابية وتفاؤل” هذه العودة مع الحكومة السورية التي وعدت باستعدادها لاستقبال أعداد كبيرة تصل إلى 180 ألف لاجئ، وهذا ما لم يحدث حتّى هذه اللحظة.

وفي وقتٍ يُخطّط فيه سوريّون للعودة الطوعية التي يتمّ إقناعهم بها أحياناً وفق بعض اللاجئين، يُثير موضوع احتمال ترحيل العسكري السوري المنشقّ رأفت عبد القادر فالح الجدل، لا سيما بعد مرور شهر على اختفائه، فيما تُشير معلومات قضائية سورية لـ “لبنان الكبير” إلى أنّه رُحّل إلى سوريا وبات موجوداً لدى فرع فلسطين، الأمر الذي أقلق ذويه الذين وجد بعضهم في لبنان وآخرون في سوريا، ودفع الحقوقيين وعلى رأسهم مدير “مركز سيدار للدّراسات القانونية” المحامي محمّد صبلوح إلى التحرّك للبحث عنه وسط صمت أمنيّ لم تُرافقه رواية توضيحية.

تفاصيل

وفي تفاصيل قضية رأفت (30 عاماً – درعا) الذي دخل إلى لبنان بطريقة غير شرعية منذ أكثر من عاميْن، فقد أنهى خدمته الإلزامية عام 2011، وبعد اندلاع الثورة السورية التحق بصفوف المعارضة والمقاتلين ضدّ النظام الذي طلب منه الالتحاق بالاحتياط بعدها فرفض. أمّا في العام 2018، وعقب فرض النظام سيطرته على درعا وإجراء تسوية للثوار (كان رأفت من ضمنهم)، لبّى حينها دعوة الاحتياط والتحق بالجيش السوريّ حيث جاءت خدمته ضمن ريف حلب، لكن بعد رصده المعارك الضارية، فرّ من الجيش عام 2019، رفضاً لسياسة القتل الي أصابت الثوار بتسوية سورية – روسية دفعته إلى التواري عن الأنظار حتّى العام 2020، وفق معطيات “لبنان الكبير”.

ومنذ شهر، توجّه رأفت من بيروت (المدينة الرياضية) حيث يعيش مع زوجته وأطفاله، إلى طرابلس بهدف توصيل مواد غذائية، إذْ يعمل لدى أحد التجار اللبنانيين وهو عمر عريسي الذي يملك محلاً للمواد الغذائية، وخلال عودته مع السائق اللبناني حسين حمّود، ألقي القبض عليه عند الحاجز التابع لمخابرات الجيش عند المدفون شمالاً، تحديداً عند الساعة الحادية عشرة والنصف قبل الظهر، بتاريخ 10/01/2024.

وبعد ثلاثة أيّام، تلقّى أحد أقرباء رأفت من سوريا، خبراً يشير إلى تحويله إلى سجن القبّة – طرابلس، لكنّه لم يكن متأكّداً من هذا النبأ، وبعد استعلام أحد المقرّبين منه وهو لبنانيّ عن هذه المعلومة، قيل انّه نُقل إلى سجن الريحانية حيث تمّ الاستفسار عن صحة هذه المعلومة أيضاً أمنياً، فكان الردّ هو “الإنكار” والتأكيد أنّ الشاب لا يزال موقوفاً لدى مخابرات الجيش في طرابلس.

وما يُثير خوف عائلة رأفت فعلياً، هو الحديث عن ترحيله وتسليمه الى السلطات السورية لا اللبنانية، بحيث تلفت معطيات “لبنان الكبير” إلى أنّ اتصالاً ورد من المخابرات العسكرية وتحديداً من أحد الضباط السوريين لأحد الأقرباء منذ أكثر من 15 يوماً ليجمع معلومات عن رأفت، مؤكّداً أنّه سيتمّ تسليمه الى السلطات قريباً.

ولم يكن هذا الاتصال سوى إنذار قاسٍ للعائلة التي لم تتوقّع أن يُؤدّي توقيفه محلياً إلى احتمال اتخاذ القرار الذي يُودي بحياته، وهذا ما يُؤكّده المحامي صبلوح الذي تحرّك بعد مناشدة من عائلة رأفت، عبر تقديمه إخباراً لمدّعي عام التمييز القاضي غسّان عويدات، بفقدان هذا الشاب وسط “خوف من اعتقاله لدى جهاز أمنيّ وارتكاب جريمة حجز حرية وإخفاء قسري من دون أيّ مسوّغ قانوني ومخالفة ورفض تطبيق المادّة 47 ومخالفة نصّ المادّة 32 من قانون أصول المحاكمات الجزائية، من دون معرفة مصيره أو مكان احتجازه”.

وبعد الإخبار، طلب مدّعي عام التمييز من صبلوح الحضور إلى مكتبه للاستفسار لكن لا بصفته محامياً، بل “كمخبر”، وبعد حضوره في وقتٍ لاحق إلى بيروت، كان مكتب المدّعي في حال انشغال كبير ودعاه إلى الحضور في وقتٍ آخر، الأمر الذي دفع عائلة العسكري إلى التأكيد (وفق معطياتهم) أنّ رأفت قد سُلّم فعلياً إلى فرع فلسطين، وقالوا: “لا داعي لزيارة المدّعي بعد هذه الأخبار”.

أمّا صبلوح فيُؤكّد أنّه سأل عن رأفت لدى الجيش والأمن العام وقيل انّه غير موجود، “ما يلفت إلى احتمال تسليمه بطريقة غير قانونية الى النّظام، مع العلم أنّ الترحيل عموماً يحقّ للقضاء من جهة، وللمديرية العامّة للأمن العام من جهة ثانية بالقانون، لا عبر الجيش ولا غيره من المؤسسات التي يُمكن أن ترتكب مخالفة غير مقبولة بهذا الفعل، إذْ يجب أن يُحوّل الموقوف إلى الأمن العام ليتمّ اتخاذ القرار بالترحيل من عدمه، وما يحدث فعلياً في الفترة الأخيرة يندرج ضمن إطار الترحيلات فقط”.

ويُشدّد صبلوح على متابعته هذه القضايا وأبرزها قضية شاب آخر ويُدعى موسى (من دون ذكر اسمه بالكامل) وهو جندي منشق أنهى محكوميته وحُوّل إلى الأمن العام، “وكنت قد حصلت على كتابٍ من مدّعي عام التمييز يتضمّن تأكيداً على انشقاقه وخطورة تسليمه، وذلك لتسليم هذه الأوراق الى الأمن العام حماية لهذه الشخصيات من الترحيلات العشوائية التي تحدث فعلياً”.

إلى ذلك، ومنعاً للالتباس الذي قد يحدث نتيجة المقارنة بين العودة الطوعية والترحيل، تؤكّد معطيات “لبنان الكبير” أنّ “المعارضين السوريين أو المنشقّين تحديداً عن الجيش النظاميّ، يُشكّلون نسبة أقلّ بكثير من نسبة اللاجئين الذين يتمكّنون من العودة إلى بلادهم بعيداً عن الخوف والخطر، وقد يُشكلّون أقلّ من 10 بالمئة منهم”.

شارك المقال